توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من خلف النظارة السوداء

  مصر اليوم -

من خلف النظارة السوداء

عمار علي حسن

  يرى «بلزاك» أن ثلاث قصص جيدة فى مجموعة واحدة تكفى لندرك أننا أمام كاتب لديه ما يقوله وكتاب يستحق القراءة بلا تردد. ومؤلف كتاب «من خلف النظارة السوداء»، الأديب الشاب محمد أيوب عبدالمنعم، عبر ذلك الرقم، استطاع أن ينبه الحواس، ويوقظ الخواطر، ويداعب الأذواق والمواجيد، ويلفت الانتباه إلى موهبة تنضج على مهل، وإلى قلم يجب أن يحفر طريقه فى ثقة بمزيد من القراءة، بلا حدود وفى أى اتجاه. فى بعض هذه القصص تولد لديك الدهشة، وفى أخرى يتهادى إليك التأمل، وتنبت عاطفة جياشة على ضفاف الروح. فهنا قدرة مناسبة لتشكيل لغة جميلة، وإمكانية لا بأس بها لبناء عالم حافل بالمفارقات والرؤى، موزعا نفسه على الحب والثورة وكفاح البشر المرير من أجل الانتصار على القهر والصمت والاغتراب والانسحاب. وفى بعض هذه القصص تجدك نفسك تواجه أسماء شخصيات تعرفها، مثل خالد سعيد وجيكا، وتلقى شوارع ساخنة شهدت معارك ومصادمات بين شباب غاضب ورجال الأمن، وتجد علاقات سياسية مباشرة، كأن يقول مطلع قصة أخذت عنوان «.. وعاد مهزوما» من دون مواربة: «بعد محاولات فاشلة لإحياء الحركة الطلابية، وإعادة أمجادها، وذريعة انتقام أمن الدولة منه، تخرج أحمد صابر فى كلية التجارة بتقدير مقبول، ودور ثان، بعد سبع سنوات من التحاقه بها. أيامه داخل الحرم الجامعى سخرها لبث روح المقاومة مرة أخرى داخل شباب لم يتلوث بعد». هنا يضع المؤلف يده على مرحلة «التخمر الثورى»، ليصل بنا إلى بداية قصة أخرى تحمل عنوان «ضريبة الانتماء» تبدأ مباشرة لتقول: «أجمل فترة عشتها فى حياتى تلك الفترة التى أعقبت الــ18 يوما الأولى فى ثورة 25 يناير.. كانت أياما فى غاية الجمال، كأن السماء فجأة أمطرت حبا وإخلاصا لهذا الوطن».لكن ليس كل القصص عن الثورة، وليست كل الجمل بهذه التقريرية، فالكاتب يمتلك قدرة على نسج عبارات فياضة بالجمال، لا سيما فى أقاصيصه التى ترسم ملامح تجربة عاطفية مريرة، أو التى تغوص فى القيعان البعيدة للمدينة لتلتقط بعض الوجوه الكادحة، والشباب المفعمين بالأمل، وتطرحها على الورق فى صور حميمة، وبكلمات مباشرة، تعانق الفصحى فيها العامية. ولعل قصة «الخطاب الأخير» وهى الأخيرة فى المجموعة، كانت الأعذب من الناحية اللغوية، وهى عبارة عن خطاب يوجهه عاشق إلى فتاة وقع فى غرامها، يبدأه بالقول: «حبيبتى.. اليوم أخيراً انتفض قلمى من سجن عجزه. قاوم واجتهد وأخيراً فر هاربا. فر هاربا كى يكتب لك، ويوضح ويصحح أخطاءه. لم يهرب من أجل تقديم صكوك الغفران لك، لكنه جاء شامخا ليهزم فشله، فلا تتعجبى». ولا يدعك الكاتب تدخل إلى دنياه الجديدة إلا وأنت تقف فى صفه وتضع يدك على كتفه، حتى ولو من قبيل الحدب الإنسانى أو الحياء، حين يهدى ما خطه بنانه هنا إلى أبيه الذى رحل عن دنيانا منتظرا أن يحقق الابن وعده له بألا يكون عابرا كأغلب الناس، بل يترك خلفه علامة راسخة مضيئة، ويكون ما يريد، وبالتالى فالإهداء فى هذه المجموعة هو أحد مفاتيح قراءتها، حيث يقول: «الشخص الوحيد الذى كنت أريد أن أرى سعادته بطباعة أول مجموعة قصصية لى. لولا طيفك الذى يؤنسنى كل ليلة فى منامى لكانت انتهت حياتى منذ وفاتك يا أبى. ها أنا أكمل الطريق الذى تركتنى فى أوله، وأفى بالوعد الذى قطعناه سويا. سأكون ما تريد أن تفخر به، فنم مطمئنا إلى أن نلتقى». وأعتقد أن أيوب سيحقق مع الأيام، إن شاء الله، ما تمناه له والده. «من خلف النظارة السوداء» قصص تراوح بين براءة التجربة الأولى والرغبة العارمة فى التحقق، اتكاء على معنى ليس بالقليل، وفن ليس بالضئيل، وتجربة تحتاج بمرور الأيام إلى الخروج من سجن الذات إلى رحاب الحياة بأفراحها وأتراحها.  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من خلف النظارة السوداء من خلف النظارة السوداء



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon