توقيت القاهرة المحلي 09:34:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روح مصر (2-3)

  مصر اليوم -

روح مصر 23

عمار علي حسن

.. ومن العوامل التى ساعدت على احتفاظ مصر بهذه السمة التاريخية أنها أقدم دولة مركزية فى تاريخ الإنسانية، اعتاد أهلها أن يروها هكذا، وأن يحافظوا عليها كما هى طيلة آلاف السنين، ومن ثم يتنادون جميعا فى لحظة الخطر للذود عنها، حتى تستمر على هيئتها فى خريطة العالم مهما تقدم الزمن. والسؤال الذى يطرح نفسه فى هذا المقام هو: هل لا يزال المصريون جميعا يحتفظون بهذه السمة الحميدة، أم طرأت ظروف مختلفة وجرت مياه آسنة عكرت صفو هذا التلاحم التاريخى؟ إن الإجابة التى تأتى للوهلة الأولى هى أن الجسم الرئيسى فى مصر لا يزال محتفظا بهذه الصفة، وأن التغير طرأ على هوامش المجتمع، ويخص فئات بعينها، طفت على السطح فى العقود الأخيرة، وانحازت إلى مصالحها الخاصة وأهوائها الشخصية، ولم يعد يهمها الاحتفاظ بأى سمة للتماسك والتوحد. وربما لم تقع أحداث كبرى فى مصر منذ حرب أكتوبر عام 1973 نستطيع أن نختبر بها مدى استمرار تجذر هذه السمة، إلا أن ما جرى خلال الزلزال الذى ضرب البلاد فى 12 أكتوبر 1992 دل على أن عوام المصريين لا يزالون قابضين على هذه السمة إلى حد كبير. ومع هذا لا يستطيع أحد أن ينكر أن هذه السمة تعرضت فى العقود الأخيرة لتحديات جسام، نبتت فى قلب الظروف التى طرأت وأدت إلى تفسخ اجتماعى متفاوت النسبة والدرجة، هو من دون شك معول هدم يضرب باستمرار سمة التوحد هذه فى الأوقات الصعبة والمريرة التى تمر بها مصر. وهذا الضرب إن كان قد بدأ نقرا خفيفا، فإنه يتصاعد بمرور الأيام ويصير طرقا قويا يهز الأسماع، ومن ثم يصبح تأثيره قويا على الكثير من الروح المصرية الفريدة، التى لا تقتصر فقط على التلاحم وقت الشدة، بل أيضا القدرة الفائقة على صهر الغريب والوافد وهضمه وإعادة إنتاجه أو إخراجه فى صيغة مصرية خالصة، وذلك فى تواصل تاريخى فريد، لم يخف على كل ذى بصيرة نيرة وعقل فهيم. وقد عبر المؤرخ الإنجليزى إدوارد لين عن هذا الموقف بقوله: «مصر وثيقة من جلد رقيق، الإنجيل مكتوب فيها فوق هيرودوت، وفوق ذلك القرآن، وتحت الجميع لا تزال الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجلاء». والعوامل الثلاثة التى طرأت على الحياة العامة فى مصر، ونالت من هذه السمة، تتمثل فى الانفتاح الاقتصادى غير المدروس، وهجرة المصريين إلى الخارج فى ظاهرة فريدة وجديدة على الإنسان المصرى، وإبرام اتفاقية السلام مع الكيان الصهيونى؛ فالانفتاح كان عشوائيا ومن دون ضوابط ولا روابط، إلى درجة أن الكاتب المعروف أحمد بهاء الدين وصفه بأنه «السداح مداح»، وهو تعبير مصرى يعنى اختلاط الأمور وغلبة الفوضى عليها؛ ففى غمرة تراخى الدولة وتشجيع بعض أجنحتها لمسارات غرائزية ومسالك غير قانونية، انقلبت الأوضاع، وصعدت إلى قمة الهرم الاجتماعى طبقة طفيلية، تحوز المال وتعوزها الثقافة والتحضر والقيم الأخلاقية والروح الوطنية التى تنبع منها. ومثل هذا الوضع خلق حالة من الصراع الاجتماعى الخفى فى سبيل حيازة الثروة بأى طريقة، لم يلبث أن ارتفع صوته، وصار يصم الآذان، ويرج أنماط الحياة رجا. (ونكمل غدا إن شاء الله تعالى). نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روح مصر 23 روح مصر 23



GMT 07:08 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

عند الصباح: «حَيدروش»

GMT 07:07 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

عند الصباح: «حَيدروش»

GMT 07:06 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

ساركوزي في قفص القذافي

GMT 07:04 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

نعم يا سِتّ فاهمة... الله للجميع

GMT 07:03 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

المجتمعات المعنفة!

GMT 07:01 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

ثورة الاتصالات والضحايا السعداء

GMT 06:59 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

ماسك... رئيس الظل أم الرئيس المشارك؟

GMT 06:57 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

رياح الشيطان!

أيقونة الموضة سميرة سعيد تتحدى الزمن بأسلوب شبابي معاصر

الرباط ـ مصر اليوم

GMT 08:41 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون
  مصر اليوم - أسرار أبرز التيجان الملكية التي ارتدتها كيت ميدلتون

GMT 05:06 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يوجه الشكر لبايدن بسبب دعمه الراسخ لأوكرانيا
  مصر اليوم - زيلينسكي يوجه الشكر لبايدن بسبب دعمه الراسخ لأوكرانيا

GMT 08:54 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل
  مصر اليوم - أبرز العيوب والمميزات لشراء الأثاث المستعمل

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 22:40 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

وفاة مهندس في حادث تصادم بعد حفل خطوبته بساعات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon