عمار علي حسن
أنت من غرست أظافرك فى رقبة الأعمى المتبلد فسالت كل قطرات دمه حتى خر سريعاً غارقاً فى عاره. أنت من ضربت بقبضتك جبل الكبر والتجبر والغطرسة فانفلق وتهاوى. أنت الذى نفخت من روحك العفية الوثابة فانكسرت كل القيود التى تُدمى معصمك منذ سنين. أنت الذى أطلقت سهام ناظريك فاخترقت رأس ظالمك. أنت الذى أوقفت الريح بكفيك، وقطفت الشمس من حضن السماء، ووزّعت سطوعها على جبين الرجال الذين جاهدوا طويلاً وهم يدفعون عربة الحرية فى شوارع مدننا العريقة.
ارفع رأسك..
أنت من أوقدت نار الحماس فى الشرايين المتصلبة فاندفعت الدماء الساخنة السخية لتجرف أمامها كل ما راكمته السنون العجاف من فساد واستبداد. أنت من أسرجت النور فى الميادين الفسيحة ففاض وغمر الشوارع والحارات والعطوف والأزقة، ثم تدفق من عتبات البيوت وملأ جنباتها فسبحنا جميعاً فى الضياء الرحب، ورأينا كل ما حجبه السلطان الجائر عنا سنوات طويلة خلف جدرانه المصمتة.
ارفع رأسك..
أنت من طردت طاغية وطاغية بحنجرتك التى ظلت تهتف بسقوطهما أياماً، وبساعدك الذى تحطمت عليه هراوات الأمن الغليظة، وبحجرك الصغير الذى واجه الرصاص، وعزمك الأكيد الذى قارع المصفحات، ونفسك المبهور الذى قاوم الدخان الخانق والهواء الفاسد، وأذنك الصافية التى لم تثقبها الأكاذيب التى أطلقتها أبواق إعلام العجوز الباهت، وزبانية رجل التنظيم الساذج، الذين أرادوا أن يشوهوك ويجرسوك، وردعت كل من أردوا أن يجروك إلى مساحات عفنة عطنة طالما ألفوا العيش فيها، لأنهم كالصراصير التى تتراقص فى بطون المستنقعات، ولا تطيق الماء النظيف.
ارفع رأسك..
أنت من خرجت من البيوت النائمة على السكينة لتزلزل أسفلت الشوارع، وتفرض غايتك النبيلة على الدنيا: «الشعب يريد إسقاط النظام»، فجاءك ما تريد إلى أطرف أصابعك، وخر كل شىء تحت قدميك طائعاً، لأنك حين زحفت فى موكب الحق والخير والحرية كنت سراً من أسرار الله، ويده التى يلطم بها وجه الباطل والشر والإكراه، ويهزم بها عصابة الفساد، وعصابة الشر، وكل المتاجرين بالدين.
ارفع رأسك..
لا تلتفت للجهلاء والمتعجلين الذين قالوا عنك، بحسن نية تارة وبسوء قصد طوراً، إنك خانع خاضع راكع هاجع، لأنهم لم يقرأوا تاريخك المديد. لم يقفوا جيداً على معدنك. لم يقدّروا صبرك الجميل فظنوه استكانة، ولم يفهموا تحضّرك واعتقدوا أنه استعذاب للضيم، ولم يمعنوا النظر فى أيامك الزاهرة التى انتفضت فيها ضد الظلم وكسرت فيها ظهر الذين خانوك وعاندوك ونهبوك وأهملوك.
ارفع رأسك..
لا تلتفت كثيراً لمن ركبوا الموجة فأنت فوق كل الأمواج، ولا يضنيك لصوص الثورات الذين كمنوا فى جحورهم أيام المواجهة العصيبة، وخرجوا اليوم يملأون الدنيا فحيحاً. ابتسم حين تسمعهم يسردون على مسامع الناس قصصاً كاذبة عن بطولات لم يسطروها، وفتوحات لم يكروا فيها، ويلحون فى جنى ثمر زرع لم يشاركوا أبداً فى غرسه، ويتاجرون بدم مئات الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم الطاهرة كى يفتحوا لبلادهم نافذة الخلاص. ابتسم وأنت ترى الأبطال الحقيقيين يتسامون فوق الصغائر، وينعمون بتواضعهم الأبدى، ويقولون بملء أفواههم: إنها بنت الشعب كله، صغيره وكبيره، إنها الطوفان الذى جاء من المسارب الخلفية ليبتلع القرصان العجوز، والسلطان الغرير.
ارفع رأسك..
لا تتوجع وأنت تسمع وترى فئران السفينة، الذين قفزوا وقت غرق الطاغية وأعوانه، وطفوا اليوم على السطح يسبحون بحمد الثورة ويجلدون العهد البائد مع أنهم كانوا من الخدم والحشم، وكانوا من جلادى الشعب وناهبيه. ابتسم فأمثالهم يتلونون كالحرباء، ويتبدّلون كالفصول، ويتغيرون كمحطات القطارات، لكنهم ملعونون فى الدنيا والآخرة، فدعهم ينعمون قليلاً بغبائهم وعمى بصيرتهم وخسة طبعهم، فالحق أحق أن يتبع، والحقيقة ستنجلى من تحت الركام.
ارفع رأسك..
دع أنفك يتشامخ وينهل من ريح الثورة العظيمة، واغرس قدميك فى آلاف السنين، ثم اضرب بها الأرض سائراً نحو الحرية والعدالة والكفاية. تقدم ولا تلق بالاً لتردد الخائفين، وتزلّف المنافقين، وترخص المداهنين، فكل هؤلاء لا ظهراً أبقوا ولا أرضاً قطعوا. تقدم ولا تسمع لأى همس خفى، يجعل عزمك يلين، وساعدك يتراخى، وثقتك بنفسك تهتز. تقدم فأنت فى زمن جديد.
ارفع رأسك أنت مصرى..
أنت من فجرت أول ثورة فى تاريخ الإنسانية قبل آلاف السنين. أنت من أبهرت العالم حين جعلت الدم ينتصر على السيف، والسلم على الحرب، والنسيم على العاصفة. وأنت من عدت من جديد لتفجر ثورتين فى ثلاثين شهراً. وأنت من ستُرى الدنيا بعد قليل معجزاتك التى لا تنتهى، وستشهد صرحك الشامخ الذى يعانق السماء، وستروى الكثير عن أيامك الزاهرة الزاخرة، فاخلع أردية الماضى الذى ولى بلا رجعة، وادفع الباب على مصراعيه وشمر عن ساعدك لتبنى مصرنا الجديدة.
نقلاً عن "الوطن"