عمار علي حسن
سألنى الفتى وهو تائه فى فراغ لا ينتهى:
- كيف يبدأ العشق؟
فابتسمت، وقلت له:
- حين تمس الروح أختها.
فعاد من شروده وحملق إلى وجهى قائلاً:
- أتهزأ بى.. وهل يعرف أحد من العالمين شيئاً عن الروح حتى ندرك لها مساً أو لمساً؟
فابتسمت، ووضعت يدى على كتفه، وسألته:
- وهل يعرف أحد كيف يولد الهوى؟ أو لأى سبب ينبثق نوره وتشتعل ناره؟
فصمت برهة، ثم أجاب:
- لا.
فقلت له:
ـــ هكذا، نقضى أعمارنا فى صبابة لا ندرك أولها من آخرها، تضنينا ولا نريد لها رحيلاً، وإن رحلت قليلاً على سبيل التلهى والتأسى والتهرب، نستردها طائعين، ونستعذب عذابها، تحل معنا أينما ذهبنا، تأتينا فى أحلام الليل، وتتفتح أزاهيرها على وسادتنا حين نشرع فى الاستيقاظ الكسول، لكننا لا نسمع لها صدى، ولا نراها، ولا نلمسها، ولا نتذوقها، ولا نشمها.
فامتلأ وجه الشاب عجباً، وقال:
- أتريد أن تقول إن الروح هى الهوى، والهوى هو الروح.
فامتلأ وجهى حيرة، وقلت:
- ليس لدى شىء قاطع، لكنها هكذا يخيل إلىّ.
- يُخيل إليك أم تعرف؟
- ما أعرفه هو أن الهوى لا يذهب إلا بذهاب الروح.
فهز رأسه وقال:
- هكذا نقضى أعمارنا وإن طالت، دون أن نعرف لِمَ بدأ الهوى؟ وكيف ينتهى؟
ثم مضى شارداً، وحين صارت بيننا تسع خطوات التفت إلى الخلف وقال:
- هل سأظل معذباً بها حتى تفارقنى روحى؟
فرفعت وجهى إليه، وقلت بحروف غارقة فى الشجن والتأمل:
- لا تحزن، فمن يدرى لعلها تقتات على هذا العذاب، فإن فتر أو انقضى، فارقت روحك جسدك.
فعاد مهرولاً ووقف فى مواجهتى ونظر فى عينى ملياً، ثم قال:
- أنا أريد أن أعيش.
فابتسمت وقلت له:
- إذن لا تشكُ من تباريح الهوى، بل املأ الدنيا فرحاً، لأنك تهوى، حتى إن أضناك الهجر، وأوجعك الصد، وصار الحب ذكرى ترفرف من بعيد على أغصان أيامك الذابلة.
نقلاً عن "الوطن"