عمار علي حسن
حين يخالط الندى ورق الليمون يملأ سلته الكبيرة. يعبر النهر حيث القرى المزدحمة على الشاطئ الشرقى. تُلقى به الشوارع إلى جوف الحارات فتقذفه إلى النواصى المتتابعة. يطالع الأبواب والشرفات المتراصة وينادى بصوت شجى:
- صابح يا ليمون.
تخرج النسوة الباقيات فى ضحى البيوت. يدفعن بعض ما لديهن من نقود، ويعدن وفى أيديهن الليمون، وعلى وجوههن آثار النكات، التى وزعها الرجل مع ليمونه.
يترنح النهار فيحصى القروش التى فى جيبه ويعود. كل يوم يحسب حساب مواعيد المركب فيغادر القرى بعد العصر. اليوم تأخر قليلاً، والطيب عبدالموجود صاحب المركب لم ينتظر.
كانت الشمس تلملم نضارها من فوق الحيطان والزروع حين سلمته القرى إلى الجسر. رفع هامته إلى الشاطئ الغربى، وأطلق ساقيه النحيلتين للريح، وراح يصرخ بحرقة:
- عدّينى يا طيب..
يجرى وينادى.. يقفز الليمون داخل السلة، ويعبر فوق يده المعروقة، ويتناثر على التراب هنا وهناك.
يُلقى به الجسر إلى الشاطئ وصراخه يتوالى، لكن الطيب لا يسمعه.
يتباعد الشراع الأبيض ويتضاءل الأمل فى الرجوع. يتفحم الشفق ويفرش الليل الوليد عتمته الرائقة فوق صفحة الماء، فيضيع المركب فى الغبش.
يتمهل الصراخ. تخبو ناره، ويصير أنّات متقطعة، ويكاد يموت تماماً. وحين يتذكر الرجل أولاده الصغار الذين ينتظرون ما معه من خبز وحلوى يتجدد صراخه:
- عدّينى يا طيب..
يلاحقه الصدى من جوف البعيد الأسود:
- «يا طيب.. يا طيب.. يا ط ى ى ى ب...».
نقلاً عن "الوطن"