توقيت القاهرة المحلي 17:38:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البعد العربى للفلكلور المصرى

  مصر اليوم -

البعد العربى للفلكلور المصرى

عمار علي حسن

طالما انتاب بعض المصريين، فى أيام الهزائم والانكسار التى ألمّت بالعرب، قنوط شديد حيال هويتهم العربية، وانسحبوا داخل أنفسهم، وأحاطوها بسياج محكم من الانتماء القطرى الضيق، الذى ينزع مصر من سياقها الأوسع، ويقطع صِلتها بتاريخها ومصالحها فى آن. وهذا ما تجنبته لجنة الخمسين التى تضع الدستور الجديد حين أقرت بدوائر الانتماء المتلاحقة لمصر، عربياً وإسلامياً وأفريقياً وصولاً إلى الإنسانية جمعاء، وهذا طبيعى لبلد لعب على مدار التاريخ البشرى دوراً مهماً فى تشكيل الثقافة الإنسانية، وكان محور اهتمام كل الإمبراطوريات التى تعاقبت على حيازة التاريخ. وحيال الهوية العربية لمصر يستدعى الذهن هنا جدلاً قديماً، لم يصمد أمام دفع التيار الأكبر فى الحياة الاجتماعية الثرية للمصريين بمختلف شرائحهم الاجتماعية ومشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية، حول هوية مصر، التى أراد لها أحد حكامها، وهو الخديو إسماعيل، يوماً أن تكون «قطعة من أوروبا»، وتمناها طه حسين «بحرمتوسطية» وأراد لها البعض أن تجلب «الفرعونية» فقط، إلى الحاضر المعيش ولا تتركها منسية فى التاريخ البعيد. وسعى آخرون إلى لىّ عنق الشعار العظيم الذى رفعته النخبة السياسية والاجتماعية والفكرية إبان أيام الاحتلال وهو «مصر للمصريين»، ليستمر فى الزمان والمكان، غريباً على مفهومه المحدد الذى قصده من تبنوه، ليس له أدنى علاقة بالهدف الذى رفع من أجله. هذا الجدل، الذى يطفو ويغوص، يتأجج ويخبو، بين حدود النخبة المصرية، يصادر على الميول النفسية والتصورات الذهنية والأبعاد الاجتماعية بحمولاتها الدينية والعقدية، لشعب برمته، لم يشكّ يوماً فى هويته العربية، ولم يجد أى داعٍ لطرح تساؤل حول هذا الأمر، بل يعلو على جدل المثقفين، ليراكم مما تنتجه قريحته، ما يؤكد توجهه الفطرى نحو العروبة، متحرراً من عقد النخبة المصرية وظنونها، مع أنها لم تبرح، على مدار أكثر من قرن ونصف القرن من الزمن المكان نفسه، الذى مكث فيه الرعيل الأول من المفكرين المستنيرين، والساسة الأحرار. القريحة الشعبية المصرية تسطر توجهاتها بعفوية، لا تعرف تخطيط المثقفين ومآربهم الموزعة على مصالح ضيقة أحياناً، وتتلمس خطاها بشفافية لا تتوقف أبداً أمام نصوصهم التى يلفها الغموض وتصيبها المواربة. وهذه التوجهات تقطع أى شك حول عروبة مصر. فالأبطال الأسطوريون الذين تحفل بهم السير الشعبية المصرية هم عرب، مثل «أبوزيد الهلالى»، و«سيف بن ذى يزن»، و«حمزة البهلوان»، و«الزير سالم»، و«ذات الهمة». والأشخاص الذين يتخذهم أغلب المصريين قدوة ومثالاً هم من عرب الجزيرة، مثل الرسول صلى الله عليه وسلم فى الأخلاق والورع، وعمر بن الخطاب فى العدل، وخالد بن الوليد فى الشجاعة، وعمرو بن العاص فى الدهاء. والممقوتون هم عرب أيضاً، يتقدمهم الحجاج بن يوسف فى التجبر، وأبولهب فى الكفر، وعبدالله ابن سلول فى النفاق. نعم.. لم تغفل القريحة المصرية السيرة الفرعونية، فى «إيزيس وأوزوريس» و«كليوباترا وأنطونيو» و«عايدة»، ولم تنسَ حكمة «الفلاح الفصيح» أو ورع «إخناتون» المنادى بالتوحيد، لكن كل هذه الحكايات ظلت ذات طابع نخبوى، بينما غلب الطابع العربى الإسلامى على القريحة الشعبية، ووجدنا من يدفع الفرعونية لتحمل معنى سلبياً فى الخطاب السياسى والدينى للمسلمين المصريين وبعض الأقباط، فـ«الفرعونية السياسية» تعنى الاستبداد، والفرعون بالمفهوم الدينى يعنى «المروق والتكبر» لكنها احتفظت بجلالها فى الخطاب الثقافى لترتبط بأول حضارة إنسانية لا تزال آثارها تشهد على عظمتها. كما مزجت مصر تاريخها، وصهرت كل ثقافات الغزاة الذين مروا بها على مدار التاريخ، لتصبح وثيقة من جلد رقيق، يظهر فيها القرآن فوق الإنجيل ويعتلى الاثنان «هيرودوت»، وتحت الجميع لا تزال الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجلاء. وهذا أفضل تعبير عن هوية مصر، لأنه يصون رقائقها الحضارية التى لا تزال آثارها ذائبة فى سلوك المصريين المعاصرين. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البعد العربى للفلكلور المصرى البعد العربى للفلكلور المصرى



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:34 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon