عمار علي حسن
أثبتت الجلسة الأولى فى محاكمة الرئيس السابق محمد مرسى أنه قد صار معزولاً فعلاً، ولم يعد هناك مجال لإنكار ذلك الآن، بأى حال من الأحوال، مهما سوقت جماعته المغيبة كلاماً عن «الثبات» و«الصمود» و«التمسك بالموقف»، فليس هذا سوى «تبلد إدراكى» وبرهان جديد على أن الذين جلسوا فى القصر الرئاسى ومقاعد الحكم سنة، ما كانوا رجال دولة، ولا فارقوا محطتهم الأولى التى تجمدوا عندها فى ميعة الصبا.
فلو أن لمرسى شرعية حقيقية، قائمة على الرضا الشعبى وليست على مماحكات قانونية كان هو أول من داسها بقدميه، لخرج أمس الأول عشرات الملايين من الناس، وحاصروا المحكمة، وأخرجوه، ورفعوه على الأعناق، وساروا به مهللين حتى وضعوه على كرسيه فى قصر الاتحادية، الذى يبكيه كالنساء بعد أن فشل فى أن يحافظ عليه كالرجال.
يصرخ مرسى فى القاضى مطالباً إياه بأن يمكّنه من العودة إلى منصبه، دون أن يدرى المسكين أنه فى آخر أيامه لم يكن قادراً على أن يمكّن «المحافظين» الذين عينهم من دخول مكاتبهم، حتى اضطر أحدهم إلى التخفى ليجلس على كرسيه، ودخل آخر من الباب الخلفى، وحاول ثالث أن يدير ديوان المحافظة من بيته، والتزم رابع داره صامتاً، واضطر خامس إلى الاعتذار عن المنصب.
لا أعرف إن عاد مرسى إلى منصبه فمن سيحكم؟ وهو الذى سقط بعد أن فتح حرباً على كل الجبهات، ومع جميع مؤسسات الدولة وقواها الفاعلة، القضاء والجيش والشرطة والإعلام والجهاز البيروقراطى والإدارى والمثقفين والمجتمع الأهلى، حتى بعض الذين ناصروه فى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة من شباب الثورة، بعد أن أوهمتهم جماعته بأن مرسيها مرشح ثورى، نزلوا الشوارع مطالبين بسقوطه، بل إن مرسى انتهى حكمه وقد خاصم بعض فصائل التيار الدينى ومنها حزب النور.
لقد هدد الإخوان بأن يوم محاكمة مرسى سيكون مشهوداً، وهددوا الشعب بالويلات والثبور وعظائم الأمور، لكن ها هم من جديد يثبتون الهوة الواسعة بين أقوالهم وأفعالهم، كعادتهم، والفجوة الكبيرة بين «الرغبة» و«القدرة»، وانقلب الأمر عليهم، ودارت الدوائر، بعد أن التزم بعض الإخوان دورهم غاضبين من قيادة أوصلتهم إلى التهلكة وأدخلتهم محنة أشد وأنكى، لأنها هذه المرة مع الناس وليست مع السلطة فحسب، وبعد أن ثبت للمتعاطفين مع الإخوان أن الجماعة ليست راغبة فى شىء سوى السلطة، حتى لو كان ثمن العودة إليها هو خراب مصر أو احتلالها، وإلا ما استغاثوا بالناتو ليعيد مرسى إلى الحكم، وخاطبوا الغرب، الذى طالما نعتوه فى كتبهم بالصليبى الحاقد الاستعمارى، كى ينقذهم من الشعب الغاضب.
ها هو مرسى يظهر مرة ثانية، عارياً مجرداً من الأنصار الكثر، لا حول ولا طول، ولا قوة ولا جاه، وها هم الذين عوّلوا على جماعته فى الغرب يتأكدون من أنها صارت معزولة، وليس لها سوى بعض شباب يجلسون على الإنترنت ليسبوا الجميع ويطلقوا الشائعات بلا أدنى قدر من الأخلاق، وحتى لو كان هناك أنصار للإخوان أو متعاطفون معهم فإن لديهم استعداداً للتصويت لهم فى الانتخابات لا مشاركتهم فى إطلاق الحرب الأهلية أو استعداء الخارج على الداخل أو محاربة طواحين الهواء من أجل «الشرعية.. الشرعية» مع أنهم فقدوها منذ الإعلان الدستورى المشئوم الذى أصدره مكتب الإرشاد ووقع عليه مرسى، وليسألوا المستشار طارق البشرى الذى كتب وقتها: «مرسى خرج على الشرعية».
إن حكم الإخوان قد انتهى فعلاً، لأنهم خانوا الثورة، وحولوها إلى مجرد فرصة لاقتناص السلطة وفرض رؤيتهم التى لا تنفع أحداً الآن سوى جماعتهم، وعلى الحكم الذى قام مقامهم أن يعى الدرس جيداً، فلن يقر جفن أحد فى كرسيه، ولن يحصل على شرعية حقيقية وليست مجرد شكل أجوف، إلا إذا استجاب لمطالب الشعب المستحقة التى رفعها فى وجه نظام مبارك الفاسد المستبد، ونذكركم حتى تنتبهوا لأننا لن ننسى، ولن نسكت حتى نحقق مطالبنا: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية.
نقلاً عن "الوطن"