توقيت القاهرة المحلي 19:33:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشعب على منصة التاريخ

  مصر اليوم -

الشعب على منصة التاريخ

عمار علي حسن

سلك عالم الاجتماع السياسى الكبير الأستاذ السيد يس طريقا مختلفا فى تحليل أحداث ثورة يناير، فلم ينتظر ليرى اكتمال الحدث، الذى لا يزال ناقصا، وربما خشى من أن تتسرب الوقائع الطازجة المتدفقة بلا هوادة من بين أصابعه، وتتراكم الأخبار وتتشابك وتتشظى وتتناحر بما يجعل استردادها فيما بعد، من أجل سبر أغوارها وتجاوز العابر والعادى والفرعى فيها إلى المقيم والمغاير والأصيل، عملا غاية فى الصعوبة، لا يمكن لباحث واحد، مهما كان مثابرا وإحاطيا ونابها وذا خبرة، أن يمسك بتلابيب كل شىء فيها، ليفكك هذا الفعل الاجتماعى والسياسى بل الإنسانى المركب، الذى انطلق فى يناير 2011، ولا تزال فصوله وموجاته تتوالى. لكل هذا يبدأ الأستاذ يس كتابه الذى وسمه بــ«25 يناير: الشعب على منصة التاريخ» بجملة قصيرة دالة على الغلاف تقول: «تنظير مباشر لأحداث الثورة»، يفصلها فى أول عبارة بالكتاب حيث يقول: «نحن نعيش لحظة تاريخية فريدة، تتمثل فى ملاحظة وقائع ثورة 25 يناير لحظة وقوعها، ونتتبع تشكلها وتطورها من يوم لآخر، مما يدل على أن الفعل الثورى الذى بدأ فى يناير 2011، لم يكتمل بعد»، متلمسا فى كل ما ورد بين دفتى كتابه الذى يربو على ستمائة صفحة من القطع فوق المتوسط، خطى ما قاله أريك هوبزباوم فى مقدمة كتابه «عصر الثورة» بوعى وحكمة واقتدار: «تنطوى الكلمات فى أغلب الأحيان على شهادات أعلى وقعا من الوثائق»، وهو الكتاب الذى قدم فيه نظرية متكاملة عن أشكال التمرد وحالاته. من هذا المنطلق يحاول السيد يس أن يرسم، وهو يراقب المشهد الثورى من بعيد، ملامح ما جرى، ويجعل من كلماته بعض وثائق لهذا الحدث الهائل، الذى لا يزال الغموض يكتنف بعض جوانبه، رغم عشرات الأطنان من الورق التى كتبت عنه، ولا تزال الأقلام تسكب عليها المزيد. وهنا يقول المؤلف: «كتابنا ليس دراسة تحليلية باردة تمت بعد اكتمال الثورة، مطبقة المناهج التقليدية فى العلوم الاجتماعية، وإنما هو دراسات لحظية متتابعة، حاولت منذ ثورة 25 يناير عبر مقالات أسبوعية فى جريدة الأهرام تتبع وملاحقة وتحليل أحداث الثورة فى تعاقبها السريع». ومن هنا كان لا بد لى كباحث فى العلم الاجتماعى أن أصوغ إطارا نظريا يسمح لى بتغطية كل أبعاد الثورة من ناحية، وابتداع منهج يتناسب مع الحدث الثورى، وهو ما أطلق عليه: «التنظير المباشر لأحداث الثورة». ينبئنا المؤلف، إذن، بأنه وضع تصورا نظريا فى رأسه بُعيد اندلاع الثورة، أو خطه على الورق، كهيكل فارغ، ثم راح يملأه بمرور الوقت بمقالات متتابعة، تنتقل من الوصف والتحليل إلى التأمل والتنبؤ، قسمها إلى خمسة أقسام رئيسية، هى: موجات الثورة المتدفقة، وعثرات فى مسار الثورة، ورؤى استراتيجية، وأصداء الثورة، وأوراق من مسيرة الوطن. والقسم الأخير يمزج فيه بين الخاص والعام، أو بين الذاتى والموضوعى، ليسرد سيرته الذاتية متواشجة أو متعانقة مع مسيرة الوطن، ابتداء من يوليو 1952 إلى يناير 2011، وفيها من حكمة التاريخ، ورؤية عالم الاجتماع، ما يفيد فى فهم ما يجرى حاليا، ويلهم فى توقع ما سيأتى لاحقا. ويكمل هذا الكتاب تحليلات مؤلفه، وهو صاحب عشرات الكتب فى الاجتماع والسياسة والقانون والنقد الأدبى، عن ثورة يناير التى بدأت فى كتاب صدر له قبل عامين بعنوان «ثورة 25 يناير بين التحول الديمقراطى والثورة الشاملة» محاولا فيه أن يجد جسرا متينا واصلا بين النقاش الذى كان سائدا قبل اندلاع الثورة عن ضرورة الإصلاح والانتقال إلى الديمقراطية وبين الواقع الذى فرضه التغيير الجائح الذى أسقط نظام مبارك، من دون أن يقيم، حتى الآن، النظام الذى يحلم به الثوار. إن ميزة كتاب «الشعب على منصة التاريخ» أنه لا يكتفى بتسجيل يوميات الثورة، مثلما فعل البعض، لكنه يحللها ويضىء بعض العتمة الراقدة فى جنبات الأحداث اللاهثة، ويعالجها برؤية إحاطية، لا تقتصر على تتبع ما يجرى فى «ميدان التحرير» وأمثاله من ميادين مصر، بل ما يدور حولها، فى داخل مصر وخارجها، ويضغط بلا هوادة على أعصاب الثوار، حتى لو كان بعضهم فى غمرة الحماس لا ينظر إلا إلى تحت قدميه المغروستين بعيدا فى تراب مصر العفى. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشعب على منصة التاريخ الشعب على منصة التاريخ



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:30 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد فراج يكشف تفاصيل مسلسله في رمضان
  مصر اليوم - محمد فراج يكشف تفاصيل مسلسله في رمضان

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم

GMT 20:52 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ليوناردو دي كابريو يحتفل بعامه الـ50 بحضور النجوم

GMT 19:17 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعم أيمن العلي ملك جمال الأردن

GMT 05:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 06:54 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 11 نوفمبر /تشرين الثاني 2024
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon