توقيت القاهرة المحلي 19:36:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طواويس بهاء طاهر (1-2)

  مصر اليوم -

طواويس بهاء طاهر 12

عمار علي حسن

بعد انحياز للرواية دام أحد عشر عاما، كان فيها واحداً ممن علمونى فن السرد، عاد الأديب الكبير بهاء طاهر إلى النقطة التى انطلقت منها مسيرته الأدبية، فأصدر مجموعة قصصية جديدة وسمها بـ«لم أعرف أن الطواويس تطير» هى الخامسة له، إلى جانب روايات ست. وتعكس هذه المجموعة الكثير من سمات المشروع الأدبى لـ«طاهر» برمته فى مضمونه وشكله وسياقاته، وتتناص وتتشاكل وتتفاعل مع المعطى القصصى المصرى فى وجهه الكلاسيكى، إلى درجة التشابه النسبى بين القصة الأولى وعنوانها «انت اسمك إيه؟» مع قصة يوسف إدريس «لعبة البيت»، فيما تدخل بنا قصة «طاهر» الثانية وهى «سكان القصر» أجواء قريبة من عالم نجيب محفوظ، وهى مسألة لا ينكرها الراوى ذاته حين يقول عن ساكن القصر: «هو بالضبط جبلاوى نجيب محفوظ، ولا أحد غيره! سئم أولاد حارتهم فانتقل إلى حيّنا المنكوب ليعذب أولاد الأفندية». لكن «طاهر»، وهو أول من حصد جائزة البوكر بنسختها العربية، احتفظ بسمته فى السرد وبجملته المتفردة من حيث البساطة الآسرة والرشاقة الظاهرة والذهاب إلى المعنى من أقرب طريق، دون إشباع السرد بزوائد تثقله، أو بنتوءات تقطع انسيابه. ولم يكتفِ بهذا، بل أضاف إلى «الشكل» كثيراً عبر طريقة للحوار مغايرة أو مختلفة أو غير مطروقة بشدة، لم يحِد عنها فى أغلب القصص الست لمجموعته تلك، لكنها سيطرت على قصة «كلاب مستوردة» تماماً؛ فالراوى ينوب عن شخصيات القصة فى تبادلها الحوار، على شاكلة: «وقطعت هى الصمت حين قالت لزوجها بهدوء دون أن تنظر فى وجهه إنه لا يفهم معنى الكلاب. .. هل يمكنها أن تشرح ذلك؟ .. لا، لا، لا يمكنها؛ فهى مسألة حساسة لا يفيد فيها الشرح. الحساسية إما موجودة أو غير موجودة. .. ومع ذلك فسيكون شاكرا لو قدمت له مثالا واحدا، واحدا فقط على عدم حساسيته، وكيف لو سمحت بجرح مشاعرها أو مشاعر الكلب؟ .. هو مثلا لا يرى تعبيرات وجهه، حين يقترب منه ساكى». إن هذا الحوار أشبه بـ«المونولوج»، وإن كان «طاهر» يعرضه فى صيغة «ديالوج» مازجاً بين الطريقتين، من دون أن يتوه منه خيط السرد، أو ينزلق عنه إلى مسارب جانبية لا تفيد البناء الدرامى. أما لغة الحوار فقد تراوحت بين «الفصحى»، فى الأغلب، و«العامية» حين اقتضت الضرورة ذلك، لا سيما فى القصة الأولى؛ حيث كان الحوار يدور بين جد وطفل صغير، أو بين الأم والطفل. أما فى بقية القصص فقد جاء الحوار بعربية جزلة، متسقة مع نضج وثقافة الشخصيات المتحاورة. وبين هاتين هناك «اللغة الثالثة» أو الفصحى البسيطة مثل تلك التى تظهر بحوار يسأل فيه أحدهم: - «هل لديه ترخيص بائع جوال؟». فيجيب: - «لا، هو بائع سريح يا باشا». ويوجد تناص مع القرآن الكريم فى بعض المواضع مثل هاتين الجملتين: «أشداء على الغرباء لكنهم متعاطفون فيما بينهم». والموظف الكبير الذى كان مرؤوسوه يطلقون عليه: «مناع الخير المعتدى الأثيم». وإذا كان «طاهر» يدخل إلى أجواء القصص بطريقة مباشرة، لا مواربة فيها، تجعل القارئ يمسك خيط السرد بإحكام منذ البداية، فإن النهايات لم تكن على مستوى واحد؛ فبعضها جاء فاترا لا يثير شجنا ولا يهز بدنا، وبعضها انطوى على مفارقة، وآخر اتشح برداء رومانسى خالص، على غرار قصة «لم أكن أعرف أن الطواويس تطير» التى منحت عنوانها للمجموعة كلها؛ إذ تنتهى قائلة: «ونظرت نحو الطاووس المأسور الذى كانت بعض ريشاته الملونة تبرز من ثقوب الشبكة، وهو ينتفض، وقلت لنفسى وأنا أنصرف: يا طائرى العجوز أشباه عوادينا». وذك فى تعبير عن حال التوحد الوجدانى بين الراوى، أو بطل القصة، وبين الطواويس؛ حيث يشعر كلاهما بالغربة، الأول فى بلاد غير بلاده، والثانية فى بيئة غير بيئتها. ويتكرر هذا التوحد وتلك النهاية الشجية فى قصة «قطط لا تصلح»؛ حيث تنتهى: «عندما رأته القطط ينصرف، بدأت تتقدم نحوى فى بطء، وهمست لها وأنا أمد يدى نحوها: تعالوا يا إخوتى وأخواتى! فأتوا طائعين». فالموظف، المريض بالضغط والمرارة، الذى أرسله رئيسه فى العمل ليراقب عمال المنجم فى الصحراء البعيدة، يشعر أنه لا يختلف كثيرا عن القطط التى أطلقتها صاحبتها الأجنبية فى حديقة الفندق، الذى تمتلكه، بعد أن قامت بإخصاء ذكورها ونزعت أرحام إناثها. وتتكرر حالة التوحد تلك فى قصة «كلاب مستوردة»؛ حيث تتخذ السيدة من كلبها «ساكى» أنيسا لها، يعوضها عن غياب زوجها، رجل الأعمال، عنها فترات طويلة، وتقرب الكلب إليها، إلى درجة تثير غيرة الزوج، لكنه يرضخ للأمر الواقع حين يدرك أن «ساكى يشغلها عن الطفل أو الأطفال الذين لا تستطيع أن تنجبهم». (ونكمل غداً إن شاء الله تعالى). نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طواويس بهاء طاهر 12 طواويس بهاء طاهر 12



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:30 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد فراج يكشف تفاصيل مسلسله في رمضان
  مصر اليوم - محمد فراج يكشف تفاصيل مسلسله في رمضان

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الهلال⁩ السعودي يتجاوز مانشستر يونايتد في تصنيف أندية العالم

GMT 20:52 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ليوناردو دي كابريو يحتفل بعامه الـ50 بحضور النجوم

GMT 19:17 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعم أيمن العلي ملك جمال الأردن

GMT 05:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 06:54 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 11 نوفمبر /تشرين الثاني 2024
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon