عمار علي حسن
هذا بحث فريد فى موضوعه، بل وغريب أيضاً، إذ ينظر إلى مجموعة من الناس نظرة مختلفة عن تلك السائدة عنهم، والمطبوعة عليهم. فسنوات طويلة ونحن لا ندرس قيادات «الجماعة الإسلامية» سوى من زاوية أفكارهم المتزمتة، وأفعالهم الدموية، وتصرفاتهم الطائشة، وأوهامهم المقنعة فى القفز على السلطة وإقامة نظام حكم يتواءم مع تصوراتهم، وكذلك جفاؤهم للناس بزعم أنهم أعلى منهم عند الله درجات.
أما هذا البحث فيسعى مؤلفه، الصحفى بجريدة «المصرى اليوم» الأستاذ منير أديب، إلى أن يضىء جانبا مظلما فى نظرة الباحثين والكتاب إلى المنتمين إلى هذا التنظيم، ويجلى غموضا اكتنف حاله ردحا من الزمن، ويجيب عن أسئلة معلقة، قد يكون أولها: هل بوسعهم أن يتصرفوا أحيانا مثلنا؟
فى البحث، الذى يعد حاليا ليكون كتابا، ستندهش حين تتساقط أمام عينيك القشرة الصلبة المتجهمة القديمة التى تحط على أجساد وأذهان هؤلاء، وهى من صناعتهم فى أغلبها وليست أوهاما عنهم ولا تجنيا عليهم، وستبرق أمام عينيك حالات وسمات أخرى، فتعرف أن بعضهم يقرض الشعر، وستقرأ نماذج من شعره، وبعضهم يكتب القصص، وستطلع على سرده، حتى لو كان عتيقا فى الشكل والمضمون، وستعرف أن بعضهم يهزه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فيصدح بالغناء وحيدا، رغم ما يقولونه جهارا نهارا بجهل، وهم فى جماعة، عن حرمة الفن، وآثام السماع والطرب.
كل هذا يرصده المؤلف باقتدار عن تلك النماذج البشرية، ويتتبعها وهى ليست فى الهواء الطلق، إنما فى غياهب الزنازين. فهناك حين انقطعت السبل بهؤلاء عن أوهام كثيرة، وأفكار جامدة، رانت على أذهانهم ونفوسهم سنين عددا، راح بعضهم يفتش فى العتمة الراقدة تحت الجدران عن الإنسانية المكبوتة والمقموعة داخله، فبدأ يعبر عنها شعرا ونثرا وطربا وتأملا، وربما ندما عما اقترفته يداه من آثام، إن كان قد قتل أو حرض على القتل.
فى هذا الكتاب يقطع منير أديب خطوات جديدة فى رحلته نحو كشف الجوانب المسكوت عنها حول الجماعات والتنظيمات السياسية التى توظف الإسلام أيديولوجية لها، أو ترفعه شعارا لاقتناص السلطة سواء بالرصاصة أو الكلمة، أو بهما معا. وهو يتناول كل هذا بلغة فياضة، وتصوير محكم، وسرد مشوق، وترتيب علمى جيد.
أتصور أن هذا الكتاب، حال صدوره، سيثير جدلا واسعا، لأنه سيفتح تساؤلا جديدا حول إمكانية أن يسترد بعض المتطرفين إنسانيتهم الغائبة أو المطمورة، وربما يقدم دليلا على أن بعض من راجعوا أفكارهم من متطرفى تنظيم «الجماعة الإسلامية» بعد سنوات من الإرهاب والدم، كانوا صادقين، وإن كنا قد رأينا آخرين قد تحايلوا ومارسوا «التقية» حتى يخرجوا من السجون، فلما جاءتهم الفرصة من جديد، تجهموا وعبسوا، وسارعوا، ليس إلى مغفرة من ربهم، إنما إلى حمل السلاح، والبحث عن ضحايا جدد.
نقلاً عن "الوطن"