توقيت القاهرة المحلي 02:14:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرسم بالدم (3-4)

  مصر اليوم -

الرسم بالدم 34

عمار علي حسن

    2 ... وطيلة أيام حرب الخليج الأخيرة كانت الصورة حاضرة بشدة، ولم يكن من الممكن تجنبها لخدمة أهداف الغزاة والعراقيين على حد سواء. فالبيانات العسكرية الأولية للأمريكيين، التى تم عرضها بمؤتمر صحفى بقاعدة «السيلية» فى قطر، لم تكن مشفوعة بصور، ولذا لم تحظ بمصداقية لدى الإعلاميين، الذين أعطوا ظهورهم للأمريكيين فى هذه اللحظة، وراحوا يتابعون، بمزيد من الصدق، صورا عرضتها «قناة» الجزيرة، نقلا عن «الفضائية» العراقية، لجنود أسرى، وطائرات تجسس أمريكية بدون طيار، محطمة على الأرض، وآليات وعربات مصفحة متفحمة، وفى المقابل صور مدنيين عراقيين غارقين فى دمائهم بجوار أنقاض بيوتهم، أو تغص بهم أسرّة المستشفيات، جراء الغارات الأمريكية البريطانية. ولم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدى أمام الدعاية العراقية، التى أعطتها الصورة مصداقية، بل راحت تستخدم قناتى «سى إن إن» و«فوكس» ومحطات أخرى فى إضفاء طابع أخلاقى على هذه الحرب غير المشروعة، عبر صور مضادة لمواطنين عراقيين يعانون من عوز شديد إلى الطعام والماء، ويتسلمون فى تلهف مواد الإغاثة، التى نقلتها الشاحنات من الكويت إلى قرى ومدن العراق الجنوبية، بعد أن توغلت القوات الغازية صوب بغداد. ثم استخدمت الولايات المتحدة صورا لأقنعة واقية من الأسلحة الكيماوية، ادعت أنها عثرت عليها فى أحد مخازن الجيش العراقى، للتدليل على أن العراق يمتلك مثل هذه الأسلحة، وهى الذريعة التى ساقتها واشنطن وحلفاؤها لشن الحرب، والتى ثبت كذبها. بل إن المسئولين الأمريكيين، الذين اعتبروا عرض العراق للأسرى عملا غير أخلاقى، لم يلبثوا أن استخدموا صورا متلفزة لعملية تحرير الأسرى، خاصة المجندة جيسكيا، ليحسنوا صورة الجندى الأمريكى، فى وقت كان فيه الصمود العراقى قد نال منها. وبعد سقوط بغداد استخدمت المقاومة العراقية والولايات المتحدة الأمريكية «حرب الصور» على نطاق واسع، الأولى لتدلل على شراستها وإصرارها على إخراج المحتل من العراق، والثانية لتبرهن على قوتها، من جهة، ومحاولة إثبات أن الشعب العراقى بات سعيدا بسقوط نظام صدام حسين من جهة ثانية. وهنا ظهرت صور الخبراء الأمريكيين وقد علقت المقاومة جثثهم المتفحمة فى أعمدة الكهرباء، وقبلها صورة الحفرة التى كان يختبئ بها صدام، وحالته أثناء القبض عليه، وقد بدا كمتسول فى محطة باصات، حسبما وصفته إحدى الصحف البريطانية، وصورة جورج بوش وهو يمسك بيده «ديك رومى» ليحتفل مع جنوده فى العراق بعيد الشكر، ثم صورة الأسير الأمريكى وقد غُلّت يداه ورجلاه، استعدادا لقتله بالسيف، وفوق الجميع صورة السجناء العراقيين، أثناء تعذيبهم وإجبارهم على ممارسة الجنس الجماعى بسجن أبوغريب، وهى الصورة التى تكررت مع رهائن من دول عدة، اتهمتهم المقاومة العراقية بمساعدة قوات الاحتلال. لعل الحالة العراقية، تقدم صورة قريبة وواضحة لكيفية استخدام الصورة فى الحرب، لكنها ليست المرة الأولى فى تاريخ العرب المعاصر، الذى تلعب فيه الصورة دورا كبيرا فى سير الأحداث. هنا يستحضر الذهن صورتين مهمتين، الأولى كانت للشهيد محمد الدرة، ووالده يحاول، من دون جدوى، أن يحميه بجسده النحيل من رصاصات إسرائيلية غادرة. وقد هزت هذه الصورة ضمير العالم، فالتفت إلى جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين. والثانية لصبية صوماليين يلعبون الكرة برأس جندى أمريكى فى إحدى ساحات مقديشيو. وقد هاج الشعب الأمريكى لتلك الصورة، التى بثتها «سى إن إن» ضد الحكومة الأمريكية فاضطرت إلى سحب قواتها من الصومال. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرسم بالدم 34 الرسم بالدم 34



GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 14:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 14:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:08 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:05 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon