عمار علي حسن
(.....) أو «جومر»، وهى الشخصية التى اتخذها روبير الفارس عنواناً لروايته، فتاة رائعة الحسن يصف الكاتب جمالها بأنه «لا يطاق.. ملمسها من جلد القمر المسلوخ وسر عينيها أقوى من سر أثناسيوس»، لتلعب الدور نفسه فى زماننا، وهو ما تفضحه تساؤلات خطيبها جرجس: «كيف أسير معها فى الشارع وسوف أكون كاهناً وقوراً أرتدى حلة خشنة سوداء ولحية برية، كما أنها لا تفقه فى أمور الدين شيئاً، وتحفظ أغانى العالم، وتعشق السينما. هل أتزوجها وأقهرها؟ أم ترانى أرتاد هذه الأماكن معها». ويدخل جرجس فى صراع نفسى شديد بين رغبته فى أن يقتدى بالراهب المناضل «مارجرجس» وبين عشق جومر التى يقول عنها: «سخونة عينيها لم يحتملها جوفى».
ولأن الرواية كُتبت متقطعة فى السنوات التى انشغلت فيها مصر بتمرد بعض زوجات الكهنة على أزواجهن وإسلام بعضهن، فقد تأثر الكاتب بهذا السياق، الذى لا ينكر هو تفاعله معه ويصفه بأنه «واقع ساخن»، ولهذا سارت جومر فى الطريق ذاته فأسلمت وسُميت زينب عبدالكريم، لتتخلص من قهر جرجس، ثم عادت إلى المسيحية مرة أخرى، لكنهم وجدوها مقتولة فى الدير، وثبت أن قاتلها هو القديس «ابن مارينا».
وليست جومر فقط التى تعزف على وتر غواية الجميلات للرهبان فى هذه الرواية، بل يفاجئنا الكاتب بالعودة إلى عصر الرومان ليروى حكاية شبيهة عن «مينا» الذى رغب فى الذهاب إلى فاتنة الصعيد «باتريشيا» ليعظها بالتوبة، لكن «مارينا» حذرته قائلة: «لن تعود ثانية. كل من ذهب إليها لا يعود»، ثم تحكى له لتعظه.. «كانت لى بنت عم تُدعى أودسا تفوقنى كثيراً فى الجمال والدلال والأنوثة، ورغم أن كثيراً من الرجال كانوا يتوقون لرؤية وجهها إلا أن زوجها أصيب بسهم باتريشيا، وكاد أن يُجن بسبب ما سمع عنها. وذهب إليه أبونا البطريرك الجالس على عرش مارمرقس وأخذ يعظه، يعده بالملكوت حين ما لم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر، إلا أنه قال إن باتريشيا هى الملكوت، وبالفعل شد الرحال إليها، ووضع كل كنوزه تحت قدميها ثم عاش عبداً يسقى البهائم فى حظيرتها».
ويعود الكاتب أبعد من هذا إلى عهد الفراعنة ليروى لنا حكاية غواية أخرى بطلتها «نفرت» مع كهنة آمون، ثم يقفل راجعاً إلى زماننا ليروى حكاية مضادة تماماً عن شاب مسيحى يعمل رساماً اسمه «نادر» تغويه شابة اسمها فاطمة زوجة بواب العمارة العجوز المتهالك فيقع معها فى الخطيئة، لكنه يلوم نفسه ويسترجع دوماً الترانيم التى حفظها فى مدارس الأحد ليتطهر بها: «ربى أنت تعلم أن شهوات العالم تخدعنى. طهِّرْ قلبى، طهِّرْ فكرى. اسمع صراخى وارحمنى»، وينجح فى النهاية فى الانتصار على شهوته، محتمياً بحبه العفيف لمريم، وهنا يقول: «اقتربت منها وكان جسدها ما زال ساخناً، رددت كلمات من الترنيمة القديمة (قدِّس سمعى. قدِّس نظرى. احفظ أوقاتى وحبى). وأخذتنى كلمة حبى إلى مريم، ولا أدرى لماذا اشتهيت أن أرسم الآن أيقونة قديس، أى قديس، ولكنى تراجعت، فنجاستى تحول دون ذلك».
إنها المفارقة التى أراد الكاتب أن يضعها أمام أعيننا عن الواعظين الساعين إلى الغواية، واللاهين العائدين إلى الهداية، فالتقط حكايات من أزمنة متباعدة ليمزجها فى هذا النص السردى العذب المختلف.
نقلاً عن "الوطن"