عمار علي حسن
يقف الفريق أول عبدالفتاح السيسى، نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع، فى منطقة وسطى بين «نعم» و«لا»، وربما يقف صامتاً فوق «نعم» أو نقيضها، متردداً أو متريثاً أو متهيباً أو راغباً فى وقت أطول ليدرس حساباته، لأنه يعلم أن «التركة ثقيلة» و«الحمل كبير»، ويدرك أن الفجوة الواسعة بين واقع مقبض يفهمه العالمون والحكماء جيداً وأحلام مجنحة تداعب خيال الأغلبية الكاسحة من أهلنا، لخّصها «السيسى» نفسه بقوله: «مصر أُم الدنيا وهتبقى أد الدنيا».
لكن سواء وقف «السيسى» عند النقطة التى يضع قدميه عليها الآن، وزيراً للدفاع وقائداً للجيش ورجلاً ذا شعبية كبيرة بين العموم، أم تقدم نحو طموحه وأثقاله وخاض المخاض الأكبر فى انتخابات رئاسية يجب من الآن أن توضع لها كافة ضمانات النزاهة والاستقامة، فإنه مسئول، بطريقة مباشرة أحياناً وغير مباشرة أحياناً، عن جزء كبير من هذا اللغط الذى يتم حوله أو باسمه أو من أجله، سواء كان حباً له، أو تمحكاً، فيه أو بحثاً دؤوباً عن منفعة فى رحابه، وحماية فى كنفه.
ربما يكون موقع «السيسى»، الآن، كرأس للجيش، يمنعه من الالتحام بهذا المشهد أو الموكب سلباً أو إيجاباً، وربما يكون الرجل متخوفاً من أن يؤدى تفاعله هذا إلى أن يفهم الناس أنه لم يحسم فقط قضية ترشحه للرئاسة، إنما يرتب لها من الآن. لكن ما لا يمكن إنكاره أو نسيانه أن «السيسى» اتصل فى العلن برموز سياسية وثقافية واجتماعية وهو فى موقعه وزيراً للدفاع أيام حكم «مرسى»، ودعا العشرات من هؤلاء لحضور تدريبات بل «تفتيش حرب» للقوات المسلحة، ووقف بينهم، وخطب فيهم، بل عرض وساطة بين جبهة الإنقاذ وحكم الإخوان، لكن جماعة «مرسى» رفضت، وخذلته. وبعد ثورة 30 يونيو التى أسقطت حكم الإخوان المستبد الفاشل الذى كان يدمر الدولة بتدبير محكم، تحدث «السيسى» بين الضباط والجنود عن «بناء أذرع إعلامية» تدافع عن القوات المسلحة، باعتبارها أحد الأركان الأساسية فى الدولة المصرية.
هذا معناه أن «السيسى» لن يعدم وسيلة ليطلب، بأى طريقة شاء، من المنافقين والمداهنين والآكلين على كل الموائد وأصحاب الوجوه التى جعلت الناس تكره بل تتقيأ نظام «مبارك» ونجله الغرير، أن يصمتوا قليلاً، وإن تكلموا فليس باسمه، ولا عنه، لأن ظهورهم خلفه فى أى صورة، معنوية أو تعبيرية أو حقيقية، يثير مخاوف كل من ينظر إلى «السيسى» باعتباره مختلفاً، أو سيكون كذلك إن صار رئيساً، وليس مجرد نسخة مكررة جديدة مما كان، وثار الناس عليه.
لا يعلم عموم الناس أن «السيسى»، حسبما نقل عنه من قابلوه غير مرة بعد ثورة يناير، كان يصف «مبارك» بأنه «رجل متبلد» وتحدث عن التخريب الذى تسبب فيه والتركة الثقيلة التى خلّفها، لكن بعض المحسوبين على نظام «مبارك» يحاولون العودة فى عباءة «السيسى» أو يسعون إلى التعلق بأطرافها، متوهمين أن عشرات الملايين الذين نزلوا فى 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو كانوا ينتصرون لزمن «مبارك»، ولو كان هذا صحيحاً لزحف هؤلاء إلى سجن طرة وأخرجوا الرجل ونجليه وحملوا ثلاثتهم فوق الأعناق حتى قصر العروبة.
إن كل ما يبديه هؤلاء من كلمات وإشارات وإيماءات وما يهمسون به فى آذان الناس من حروف، وما يبدونه من مطامع يسوقونها على أنها مطامح، يخصم من رصيد «السيسى»، سواء بقى وزيراً للدفاع أو تقدم إلى الرئاسة. فقد تعلمنا من دروس التاريخ أن جزءاً أصيلاً من الحكم على أهل الحكم يقوم على إمعان النظر فى الوجوه التى تتحلق حولهم، أو الرجال الذين يجالدون إلى جانبهم، لا سيما فى الأوقات العصيبة. فإن وجدوهم أكفاء شرفاء اطمأنوا، وإن وجدوهم غير ذلك، ضربتهم الظنون، حتى تحولت إلى مقت وبُغض، ثم غضب وتمرُّد.
نقلاً عن "الوطن"