عمار علي حسن
بعد أن أعلنوا غير مرة أنهم طلقوه إلى غير رجعة، عاد الإخوان إلى العنف الدموى، بشكل متقطع أيام حكم «مرسى»، وبصفة دائمة بعد سقوطه، فى ظل تحالف بين الإخوان وبعض الجماعات الإرهابية، وتوفير الغطاء السياسى لبعضها الآخر، أو التحول إلى أداة فى يد أطراف إقليمية ودولية تريد لمصر أن تلحق بسوريا أو ليبيا. وهذه مسألة غرق فيها «شباب الإخوان» الذين كنا نظن أنهم أكثر سلمية وفهماً وانفتاحاً من بعض المنغلقين الجامدين الذين يمسكون برقبة «الجماعة» العجوز.
وسوف يتساءل البعض: وهل يمكن أن يتدنى أسلوب الإخوان إلى هذا المستوى؟ والإجابة: ما الذى يمنع وقوع هذا من قِبل جماعة سبقت أن استحلت دماء المعارضين لها، قبل ثورة يوليو 1952، وارتكب «الجهاز الخاص» الذى أنشأه مؤسسها ومرشدها الأول حسن البنا أعمال عنف ضد ممتلكات وتبرأ هو منه بعد أن فقد السيطرة عليه، وقال عن أعضائه: ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين. وكيف نستبعد هذا ورموز هذا الجهاز الخاص، المؤمنون بأفكار سيد قطب التى تفسّق وتجهّل وتكفّر المختلفين فى الرأى، هم من يتحكمون فى «الجماعة» الآن، بعد أن تخلصوا تباعاً من أصحاب النزعة الإصلاحية الراغبين فى الاندماج أكثر من الفكر المدنى والتحديثى أو أولئك الذين يعتقدون أن «الجماعة» انحرفت عن مسار «البنا» ويطالبون بالعودة إليه، مع أن فى أفكار البنا نفسه بذرواً عديدة لهذا العنف، وتلك الدموية.
وها هى «الجماعة» مستمرة فى ممارسة العنف الرمزى فى شعارها الأثير، الذى يضع سيفين إلى جانب المصحف الشريف، وها هى تمارس العنف اللفظى على أوسع نطاق فما يسمى «كتائب الشتائم الإلكترونية»، التى لم يعُد خافياً على أحد أن «الجماعة» تمتلكها وتوجهها لتبث شتائمها ضد المخالفين لـ«الجماعة» فى الرأى والموقف، وتصل فى هذا إلى حد لا يرضاه دين، ولا تقبله أخلاق، ولا يمكن لسلطة رشيدة أن تصمت عليه أو تفكر فى استغلاله واستحلاله وكأنه من قبيل الجهاد، الذى ينتظر من يقوم به ثواباً من الله. وها هم الإخوان قد وجدوا أن العنف الرمزى واللفظى غير كافيين فراحوا يفرطون فى العنف المادى ضد الدولة والمجتمع، حيث القتل والإصابات والتخريب والتدمير وقطع الطرق وترويع الآمنين.
وهذا النهج لم يبدأ بعد إسقاط حكم «الجماعة»، فتنظيم الإخوان هو الذى أرسل كوادره إلى قصر الاتحادية قبل سنة ليهدموا خيام المعتصمين، ويقبضوا على بعضهم ويتولوا استجوابهم نيابة عن أجهزة التحقيق، وتعذيبهم كما تفعل أجهزة الأمن القاسية، لكن افتضاح هذا الأمر والضغوط التى تعرضت لها السلطة من الداخل والخارج حيال هذا الفعل الشنيع، ربما جعلها تفكر فى أن تبحث عن وكلاء للعنف، وهو ما تجلى فى التعاون الوثيق مع كثير من الجماعات التكفيرية والإرهابية، الذى ظهر فى أعلى صوره حين وقف «مرسى» بين قيادات هذه الجماعات فى الصالة المغطاة باستاد القاهرة وسمعهم وهم يتوعدون المصريين بالقتل والتشريد، ويتوعدون مصر بالحرق والتخريب، إن خرج الناس فى 30 يونيو 2013 ليسقطوا «مرسى».
وها هو برهان على تبنى الإخوان للعنف يُستقى من تصريحات واحد من قيادات الجهاد المتحالفين مع «الجماعة»، الذى اعترف أخيراً بأن المهندس خيرت الشاطر، الرجل النافذ فى الإخوان، قد أعطاه 15 مليون دولار ليشترى سلاحاً للجماعات الإرهابية فى سيناء وغيرها. فمحمد الظواهرى، زعيم «السلفية الجهادية»، والأخ الأصغر لأيمن الظواهرى، الرجل الأول حالياً فى تنظيم القاعدة، يقول: «يمكن أن نلجأ إلى الجهاد والعنف داخل المجتمع، إذا خرج الحاكم عن الشريعة الإسلامية، مثلما فعل مبارك وبشار الأسد.. نحن عبيد، نفعل ما أمرنا الله به.. وتصورنا عن الحكم الإسلامى لم يتحقق بعد صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم».
إن عنف السلطة فى زمن حكم الإخوان لم يقتصر على «الجماعة» فحسب، بل غيرهم من التنظيمات المتأسلمة الموجودة فى الساحة وبعض الشخصيات التى تقوم بالوعظ والدعوة، والمتحالفة مع الإخوان أو التى تتواطأ معهم، وتتصور أن الدفاع عنهم واستباحة أموال وأعراض المختلفين معهم فى السياسة أو فى الفكر عمل شرعى واجب دفاعاً عما يسمونه «المشروع الإسلامى». والأمثلة عديدة، عن تجمعات وكيانات وتنظيمات وأفراد، مارست العنف، وعن فتاوى وأفكار بررت له.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)
نقلاً عن "الوطن"