عمار علي حسن
(....) وكنا قد ظننا أن التكفير والعنف النابع من تصورات وفتاوى دينية قد ذهب إلى غير رجعة، بعد أن عانينا منه طويلاً منذ أربعينيات القرن العشرين على أيدى جماعة الإخوان ثم مطلع الألفية الثالثة على أيدى الجماعة الإسلامية ومختلف التنظيمات الجهادية، إثر سعى جماعات وتنظيمات اتخذت من الإسلام أيديولوجية لها إلى تطبيق ما سبق أن قاله فقيهها الميت الحى ابن تيمية: «أى من طائفة امتنعت عن تطبيق شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة والمتواترة، قوتلت عليها، والقتال لمجرد المنع لا على جحد الوجود».
وظن البعض أن انخراط أتباع التنظيمات والجماعات الإسلامية فى الحياة السياسية من بابها المشروع سيقضى على ما تبقى من احتمال لوقوع العنف، لكن فُجعنا بعودة الإخوان أنفسهم، بعد أن تباهوا طويلاً وكثيراً بتطليق العنف إلى غير رجعة، إلى الاعتداء على معارضيهم، بقتلهم واعتقال بعضهم واحتجازهم وتعذيبهم واستجوابهم فى سماجة وقسوة ضارية، ثم توالى الاتهامات لهم بخطف شباب الثورة والاعتداء عليهم بإفراط، وتهديد آخرين بالسحل والقتل، بل وصل الأمر إلى حد تعزز الشكوك فى أن فرق الإخوان، التى سمعها الناس هديرها بهتاف «قوة.. عزيمة.. إيمان»، تدبر أعمال عنف من قبيل الحرق والتحرش الجنسى الممنهج بالفتيات لتخويف النساء من المشاركة فى الاحتجاجات على حكم الجماعة.
ومع الإخوان، أو إلى جانبها، علينا أن ننظر إلى حلفاء الجماعة، الذين كنا نظن أنهم قد طلقوا العنف إلى غير رجعة، لكن ها هى الأيام تثبت أنهم إن كانوا قد أوقفوا العنف ضد السلطة وقت أن كانوا هم فى الحكم، فإنهم لم يتخلوا عنه حيال المجتمع بشتى أطيافه، ثم عادوا ليطلقوا العنف ضد الكل؛ السلطة والدولة والمجتمع، بل إن بعض حلفائهم من السلفيين لم يسلموا من هذا، حين انحازوا إلى ثورة 30 يونيو وأصبحوا جزءاً من خريطة الطريق التى انبثقت عنها.
وقد عثرت أجهزة الأمن المصرية بعد قتل واعتقال أعضاء مجموعة إرهابية أُطلق عليها «خلية مدينة نصر» فى سبتمبر 2012 على وثيقة تسمى «فتح مصر» تبين وجود نية مبيتة لديها لممارسة العنف على نطاق واسع ضد الجميع، حيث رأت أن «قتال الجيش والشرطة واجب، وقتل الإعلاميين حلال، وقتال الصوفية واجب أيضاً لأنهم مشركون بالله». ووضعت الوثيقة ستة بنود رئيسية لأتباعها، بعد استشهادات بآيات وأحاديث التوى تأويلها وآراء فقهية نُزعت من سياقها. ويمكن ذكر ذلك على النحو التالى:
1- اكفروا بالطواغيت وعادوهم وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفّرهم، لأن مثل هذا قد كذب على الله وافترى، إذ فرض الله عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه وأولاده.
2 - اقتلوا من أعان كافراً من المسلمين حتى لو صلى وصام، وكائناً من كان وحيث كان، سواء حاكم أم محكوم.
3- إن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم، مداراة لهم ومداهنة لدفع شرهم، فإنه كافر مثلهم وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين.
4- تولى الكفار كفر أكبر، وهم أربعة أنواع: المحب للكفار من المنادين بالديمقراطية أو الحداثيين، ومن أعان الكفار على المسلمين كالذى يعين النصارى واليهود، وكل من تحالف مع الكفار وعقد معهم حلفاً لمناصرتهم ولو لم تقع النصرة، ومن صنع ما يصنعه الكفار فى السياسة من تكوين برلمانات وهيئات ولجان كتلك السائدة فى بلاد الغرب.
5- لا يجوز تولية الكفار والنصارى مناصب مهمة، لا سيما بعد أن انقلبت الأحوال فى هذا الزمان باتخاذ أهل الكتاب وزراء.
6- كل أعوان الحكام من علماء الدين والكتاب والمفكرين والإعلاميين كفار، لأنهم يدعون دوماً إلى التصالح مع الحكومات الخارجة على الشريعة.
إنها ذات الأفكار التى يتغنى بها «تنظيم القاعدة»، فهل للقاعدة وجود فى مصر عقب ثورة يناير منتهزاً فرصة وصول الإخوان إلى السلطة؟
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).
نقلاً عن "الوطن"