عمار علي حسن
... وفى ضوء ما أوردته فى الجزأين الأول والثانى من هذا المقال، يجب أن نقرّ بتوافر البيئة المناسبة للتنظيمات التكفيرية فى ضوء عدة معطيات تظهر حالياً عياناً بياناً، ولا مجال لإنكارها، يمكن ذكرها على النحو التالى:
1- إن شعارات وهتافات وآراء السلفية الجهادية المقتربة من القاعدة أو المتماهية فيها والمتحالفة معها ملأت الأسماع والأبصار فى قلب القاهرة، ومارس أصحابها أدواراً فى وضح النهار، فظهروا فى برامج متلفزة، وخطبوا فى المصلين بالمساجد وفى المتظاهرين فى الساحات والميادين، وعقدوا المؤتمرات الصحفية وأطلقوا التصريحات المعادية لقوى المعارضة والمساندة للسلطة فى بعض الأحيان، ثم المنتقدة للسلطة نفسها فى أحيان أخرى، مع رفض هؤلاء للمسار السياسى الحالى برمّته، من منطلق الاعتقاد فى أن الديمقراطية عملية كفرية وكل ما ينتج عنها من مؤسسات وقرارات وتشريعات مخالف للشريعة.
2- إن محمد مرسى أصدر عفواً عن بعض هؤلاء خرجوا بمقتضاه من السجون، وبعضهم راح لينضم إلى الإرهابيين فى سيناء، وبعضهم أراد ذات يوم أن يقتحم مبنى وزارة الدفاع، لكن الجيش لقّنهم درساً قاسياً.
3- إن الإخوان أطلقوا وقت وجودهم فى الحكم تهديدات مبطنة إما باستخدام هؤلاء عصاً غليظة ضد منافسيهم السياسيين أو باستعمالهم فزّاعة للخارج طمعاً فى أن يناصر الجماعة فى مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية وذلك الفكر التكفيرى، ويؤمن بأن لها دوراً فى الدفاع عن المصالح الغربية. وكانت هناك تلميحات إلى أن الجماعة قد يريحها دخول الجيش فى معارك استنزاف ضد السلفيين الجهاديين، بما يشغله عن متابعة ما يجرى فى الداخل، ويعطى الفرصة كاملة للإخوان أن يتمكنوا من مفاصل الدولة ويُمسكوا برقاب الناس ويهندسوا العملية السياسية على مقاسهم غير عابئين بتردى الاقتصاد أو غياب الأمن، ثم يستديرون فيما بعد على الجيش بعد تغييبه أو تحييده أو إشغاله، ليأخونوه أو يحوّلوه إلى مجرد سوط فى يد الجماعة يدافع عن سلطتها وثروتها. فلما سقط الإخوان عن الحكم استعملوا هذا الترتيب فى عمليات إرهابية لم تقتصر على الجيش فقط، بل طالت الجميع فى مصر.
4- إن ما لا يمكن إنكاره أن كل هذه التنظيمات والتجمعات والجماعات المسيّسة ذات الإسناد الإسلامى، العنيف منها والمؤمن بالمسار السلمى الطبيعى فى التغيير، خرجت من عباءة جماعة الإخوان، إما رغبة فى منافستها ومضاهاتها، أو تذمراً من مسلكها، لا سيما بعد رميها بمداهنة السلطات المتعاقبة على مدار تاريخ مصر الحديث والمعاصر، أو سعياً إلى دفع ما يُسمى بـ«مشروع الإحياء الإسلامى» نحو طرق أقصر وأسرع إلى الهدف وهو حيازة السلطة.
5- إن هناك نقاط التقاء وتقاطع فى التفكير بين هذه التنظيمات على غلوّها وبين من يتحكمون الآن فى رقبة جماعة الإخوان نفسها، إذ يحتفى هؤلاء بأفكار سيد قطب التى ترمى المختلف معها بالجاهلية والكفر، وترفض التعددية السياسية، وتزعم أنها طرح لوجهة نظر الله فى الواقع المعيش حالياً.
6- إن مراهنات جماعة الإخوان على بعض فصائل السلفية الجهادية تعد مقامرة ثمنها فادح على أمن مصر ومستقبلها، لأنها قد تفتح باباً، لا قبَل لنا به، للتدخل الخارجى فى شئون بلادنا، أكثر مما هو عليه، وبطريقة خشنة وليست ناعمة مثل ما هو الحال الآن.
وعلى مدار تاريخ المسلمين لم تخلُ فترة من هؤلاء التكفيريين، الذين يغرفون من بطون الكتب الصفراء بلا وعى ولا ورع، وينحرفون بديننا السمح العظيم عن غاياته، وبالشرع عن مقاصده، ويجدون فى أيام الإرباك والفتن فرصاً سانحة كى يطلوا برؤوسهم ويعتدوا على من يخالفهم، متوهمين أن ما عندهم هو صحيح الإسلام.
أمثال هؤلاء كفّروا من قبل عبدالناصر والسادات ومبارك، وها هم يكفّرون مرسى. لا فرق لديهم، رغم أن الأخير له لحية شهباء ويصلى الجمع أمام عيون الدنيا ويخطب فى الناس من تحت المنابر ويوشى ما يقوله بآيات وأحاديث، وينتمى إلى جماعة منسوبة إلى «المسلمين»، وظلت زمناً ترفع شعار «الإسلام هو الحل» قبل أن تقول «النهضة إرادة شعب». وهذا ليس معناه أن من جاءوا قبله كانوا على غير دين الإسلام، لكن إدراك التكفيريين لا يراهم كذلك، وهى مسألة لا يجهلها مرسى، الذى يعرف جيداً أن «إخوة» كباراً فى جماعته يروق لهم فكر سيد قطب الذى يتلاقى فى جانب منه مع ما تقوله جماعة «التوحيد والجهاد».
وهكذا نجد أن الإخوان عادوا إلى العنف بشتى صوره، لا سيما بعد إسقاط حكمهم، وراحوا يستعينون بمن ينتجونه ويمارسونه من حلفائهم ووكلائهم فى الجماعة الإسلامية وبعض فصائل التيار السلفى الجهادى، ويهيئون البيئة المؤدية إلى العنف بتعمد فعل كل ما من شأنه أن يؤدى إلى انسداد الأفق السياسى ومحاولة تغيير قواعد اللعبة وإغلاق الطريق أمام التعددية الفكرية والسياسية، علاوة على الهدف الأكبر وهو إنهاك الدولة وإزعاج السلطة وترويع المجتمع أو عقابه على ثورته ضد حكم الإخوان الفاشل.
نقلاً عن "الوطن"