عمار على حسن
فى الذكرى الأولى لرحيل الموسيقار الكبير عمار الشريعى، تذهب آذاننا ووجداننا بحثاً عمن يمكن أن يأتى بعده، ويكون فى مثل حاله من التحدى العجيب والرهيب للإعاقة، والقدرة الفائقة على صناعة موسيقى ساحرة أخّاذة. هنا يتحدث كثيرون عن ياسر عبدالرحمن، الذى يحفر لنفسه اسماً قوياً فى فضاء النغم الرائق الرائع، لكن حالته وهيئته غير تلك التى كان عليها الشريعى، الذى لم يعطِ دروساً فى تذوق الموسيقى فقط إنما أيضاً فى قهر الصعب، وتحويل الانكسار إلى انتصار.
جال بصرى فى كل من يؤلفون الموسيقى الآن فى مصر وحط على رجل بسيط وجرىء فى آن، متواضع وطموح وجموح فى الوقت نفسه، يعرفه كثيرون ككاتب مقالات، وعرفه أهل الحى الذى يقطن فيه بوصفه الرجل الكفيف الذى قرر أن يخوض قبل ثورة يناير تجربة انتخابات مجلس الشورى سنة 2007 ضد أباطرة الحزب الوطنى المنحل، وخرج منها بحكايات تثير فى من يسمع روايته لها ضحكاً يفضى إلى البكاء. ومع هذين الفريقين هناك من يعرفونه كموسيقى مميز، لا يزال يؤمن بأن الفرصة الحقيقية التى ينتظرها فى هذا المجال لم تأته بعد. وهو واحد من ثلاثة أكفاء أشقاء، كافح أبوهم وأمهم حتى نالوا أعلى الدرجات العلمية. أتحدث هنا عن الدكتور طارق عباس، الذى اقتربت منه قبل الثورة فى تجربة فريدة وعابرة، جعلتنى أنصت إلى ألحان لا تزال راسخة فى وجدانى، مستقرة فى يقينى، أستدعيها أحياناً وأتوه معها قليلاً فينعم بها وجدانى، وأراها برهاناً ناصعاً على أن لدى الرجل بحراً مطموراً من الموسيقى العذبة سيفيض يوماً، ويصل إلى كل الآذان.
كنت أيامها بصدد تقديم برنامج على قناة «دريم» عنوانه «مشاوير» فكرته هى إجراء حوار عميق مع شخصيات مصرية وعربية بارزة، فى الفكر والحركة، يجمع مزيجاً من السيرة الذاتية أو الحياتية والمنتج الفكرى لها. وكان رأى المخرج السينمائى الكبير الأستاذ عبداللطيف زكى أن يكون «تتر» البرنامج مصحوباً بأغنية شعرية، قمت بتأليفها، اتكاء على أننى قرضت الشعر فى ميعة الصبا قبل أن تأخذنى منه القصة والرواية. وكتبت قصيدة كان مطلعها:
«أيام ورايا
والحلم قدّامى
وقلبى مشدود
على وتر السنين».
وأرسلتها على «البريد الإلكترونى» إلى الدكتور طارق، وبعد أيام طلب منى أن نتقابل ليُسمعنى ما لحّن، وذهبت إلى بيته فى إمبابة، بصحبة الأستاذ عبداللطيف. جلسنا فى صالة شقته البسيطة، ننصت إلى غنائه، ومعه ابنته الموهوبة فى الرسم وذات الصوت العذب فى آن. كانا يصدحان معاً، واهتز قلبى، وهامت نفسى لموسيقى عميقة أصيلة، فرُحت أغنى معهما. لكن البرنامج لم يُبثّ إثر قيام الثورة.
قبل هذا بشهور قليلة شرّفنى د. طارق بالغناء فى الحفل الذى أقيم بنقابة الصحفيين بمناسبة فوزى بجائزة الشيخ زايد للكتاب فى فرع التنمية وبناء الدولة، ويومها خطف إعجاب كل الحاضرين.
ونكمل غداً أن شاء الله.
الوطن