عمار علي حسن
.. وبالنسبة للقضاة والمحامين، فبعضهم يبدى انتقاده لقرار إعلان جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا، من زاوية أن هذا الإعلان هو حق أصيل للقضاء، وحين يصدر حكما بهذا، يصطبغ الفعل الإخوانى بالإرهاب، من كل الزوايا المنصوص عليها فى المادة 86 من قانون العقوبات، وتنشأ قاعدة قانونية بذلك، لأن أحكام القضاء تصير قواعد قانونية، يُعمَل بها. ويرى هؤلاء أن قرار الحكومة بمثابة إصدار حكم قبل المحاكمة، وأن الأمر ربما كان يتطلب تشريعا مختلفا وموسعا عما ورد فى المادة المشار إليها سلفا، لكن المشكلة أن حق التشريع الآن فى يد رئيس الجمهورية المؤقت، الذى أبدى التزاما أو تعهدا بعدم التوسع فى استخدام هذا الحق، إلا لضرورة قصوى، وهو إن اعتبر أن مواجهة الإخوان من الضرورات القصوى، والأغلبية الكاسحة من الرأى العام مع هذا، وأصدر تشريعا يطلبه القضاء، فإن مثل هذا التصرف قد يلقى انتقادات من قوى سياسية غير إخوانية. ولو انتظرنا حتى يأتى البرلمان ويصدر مثل هذا التشريع، فما الحل مع من تم القبض عليهم من تنظيم الإخوان منذ إعلان الحكومة وحتى إصدار التشريع، بينما القاعدة أن «القانون لا يسرى بأثر رجعى»، وإن سرى أو تم تطبيقه، فإن هذا يعد تحصينا لقرار بأثر رجعى، وهو الخطأ الذى وقع فيه مرسى فى إعلانه الدستورى الاستبدادى فى نوفمبر 2012. كما يظهر سؤال آخر وهو: ما الحل مع القاعدة التى تقول إن «العقوبة شخصية»؟
والمشكلة الثانية هى عبء إثبات عضوية أى شخص ارتكب العنف السياسى، وذلك عبر تقديم أدلة قانونية قاطعة، فإذا كانت قيادات الجماعة معروفة، لاسيما أعضاء مكتب الإرشاد ومجلس الشورى، فإن هناك الآلاف ممن ظلوا يعملون تحت الأرض، ولم يظهروا تماما، حتى بعد وصول الإخوان للحكم. بل الأدهى والأشد مرارة أن بعض القادة قد أنكروا بعد القبض عليهم أنهم ينتمون إلى الجماعة، فقال القيادى د.سعد الكتاتنى: «لا علاقة لى بالجماعة إنما أنا رئيس حزب الحرية والعدالة».. أما صفوت حجازى، الذى سبق أن أكد أثناء حكم مرسى أنه إخوانى منذ أن كان فى الصف الثانى الثانوى، فقال للضباط الذين قبضوا عليه: «والله العظيم لست إخوانيا.. أتريدون أن أحلف لكم بالطلاق»، فما بالنا بالأعضاء الصغار. وبذا سيكون على جهات التحقيق، سواء كانت شرطية أو قضائية، أن تبذل جهدا فائقا من أجل إثبات «عضوية الإخوان» لمن يتم القبض عليهم، سواء متلبسين بأعمال عنف أو حتى من التزموا دورهم وأصبح ضبطهم وإحضارهم واجبا على الشرطة وفق قرار الحكومة.
كما واجه القرار انتقادات العديد من المنظمات الحقوقية وبعض القوى السياسية الصغيرة والشبابية ومنها «الاشتراكيون الثوريون» و«الأناركيون» من زاوية أنه يعيد الإجراءات القمعية تحت لافتة «محاربة الإرهاب»، بل إن حزب النور السلفى، الذى يؤيد خريطة الطريق التى انبثقت عن ثورة يونيو وصفه بأنه «قرار متسرع» وإن استمر فى انتقاد الإخوان، وتحميلهم مسئولية القتل والتخريب والتدمير الذى يحدث فى البلاد، وطالبهم بالعودة إلى جادة الصواب، والتسليم بالواقع، والاعتراف بثورة يونيو وما ترتب عليها. وفى الخارج بدت الولايات المتحدة منزعجة من القرار، على لسان جون كيرى أكثر المسئولين الأمريكيين دفاعا عما ترتب على إسقاط حكم الإخوان حين اعتبر أن تدخل الجيش جاء «لحماية الديمقراطية ومنع نشوب حرب أهلية فى مصر»، وبدت أوروبا على الحال ذاته، وكذلك بعض المنظمات الحقوقية الدولية ومنها «هيومن رايتس ووتش»، لكن الحكومة المصرية، وإن كانت تسعى إلى تأييد دولى لخريطة الطريق، تبدى حزما فى مواجهة منتقدى القرار، بقدر إصرارها على مواجهة الإخوان، لأنهم يشنون «حربا» على الدولة والمجتمع.
لكن تقييم هذه الخطوة لا يقف عند حدود المشكلات القانونية التى تكتنفها، ولا الانتقادات الداخلية والخارجية التى صاحبتها، إنما مدى تأثيرها على «صورة الإخوان» لدى الرأى العام، وهى الجماعة التى استفادت طويلا من صورة إيجابية اصطنعتها لنفسها على مدار عقود قبل وصولها إلى الحكم، وإمكانية أن يكون القرار بداية لخطوات مماثلة تتخذها دول عربية وإسلامية مما يضيق الحصار على «التنظيم الدولى للإخوان»، لكن القرار يقيد يد الحكومة المصرية فى الجلوس مع الإخوان إن أرادوا تصالحا أو تفاوضا، فوقتها ستتهم بأنها «تجلس مع إرهابيين»، اللهم إلا إذا كانت السلطة الحالية قد أغلقت باب الحوار تماما، وإلى الأبد، مع الجماعة، التى ضعفت قدرتها على الحشد بشكل كبير، وجاء هذا القرار ليحرمها من فرصة أى منافسة سلمية على السلطة إن تراجعت عن العنف وفكت علاقتها بالتنظيمات التكفيرية والإرهابية. كما أن القرار قد يتحول بعد مدة إلى نقطة تؤخذ على الحكومة إن استمر عنف الإخوان المفرط ضد الدولة والمجتمع، علاوة على أنه قد يؤدى إلى تماسك الإخوان من زاوية أنهم يواجهون «معركة مصيرية».
نقلاً عن "الوطن"