توقيت القاهرة المحلي 13:49:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خيانة زوجية صامتة

  مصر اليوم -

خيانة زوجية صامتة

عمار علي حسن

عزفت الكاتبة المصرية سعاد سليمان على وتر غير مشدود، باختيارها حكاية معتادة، قتلتها الأقلام تناولاً، لتكون موضوعاً لروايتها القصيرة «آخر المحظيات»، لكنها استطاعت أن تمنحها جاذبية إلى حد ما، عبر لغة شاعرية مقتصدة، وتقنية بناء ماكرة، حاولت من خلالها أن تعطى روايتها عمقاً واتساعاً على قدر المستطاع، وإن بدت الكاتبة، فى المجمل، لا تزال واقفة فوق المساحة التى جربتها، ونجحت فيها، وهى فن القصة القصيرة، الذى أبدعت فيه مجموعتين لافتتين هما: «هكذا ببساطة» و«الراقص»، إلى جانب رواية من الفانتازيا السياسية هى «غير المباح». سعت المؤلفة هنا إلى الخروج بعيداً عن عالم المهمشين، المحبذ لديها، والذى صنعت من ثناياه لوحات سردية بالغة الإحكام والجمال، لتتخذ شخصيات تنتمى إلى الشريحة العليا من الطبقة الوسطى لتكون أبطالاً لروايتها تلك، التى تحكى فيها قصة زوجة اكتشفت خيانة زوجها بعد موته، عبر الضغط على أزرة هاتفه الجوال، الذى كان محرماً عليها الاقتراب منه فى حياته، وكذلك ملفاته الورقية المكدسة بمكتبته، التى لم يسمح لها بأن تقترب منها فى حياته. إنها حكاية «رامى» الحقوقى والمترجم بالأمم المتحدة وابنة عمه «زينة» التى تزوجها، وأنجب منها، ليهرب من عشيقته الفنانة التشكيلية «هدية»، وهى تنتمى إلى أسرة مفككة، فأبوها، طبيب القلب الشهير، تنكر لها، وأمها عجوز متصابية، منحدرة من سلسلة محظيات متوالية عبر تاريخ مصر الحديث، وطليقها سادى، مربوط بعلاقة شاذة مع أمه، حيث يحكى لها تفاصيل لقاءاته الحميمة بزوجته. تبدأ الرواية بأسئلة توجهها الزوجة لزوجها الراحل: «لماذا مت؟ وكيف تموت دون أن أشفى غليلى منك؟ لماذا الآن؟ كيف أسترد حقى منك؟»، لتدور طيلة الوقت فى سلسلة من التساؤلات اللاهثة خلف إجابات ناقصة، فتصنع منها الكاتبة تقنية متنامية للتشويق، والتقدم المتهمل نحو نهاية تنطوى على مفارقة. وتقوم هذه التقنية على عكازين أساسيين، الأول يتمثل فى رسائل هاتفية شاعرية مكثفة تبعثها العشيقة إلى الزوج من رقم ليس مسجلاً باسم أحد فى سجل الهاتف. والثانى يتعلق بخطابات قصيرة أحياناً ومطولة أحياناً، يطالعها من دون أن يرد عليها، أو يكتب على هوامشها قصائد قصيرة حزينة تائهة، وفى المرة الأولى والأخيرة التى يرد على أحد الخطابات، ينكشف المستور، وتعرف «زينة «لماذا أهملها «رامى»، وعاش معها حياة فاترة صامتة، لم يهتم فيها بإنسانيتها، بدءاً من الانشغال بأحوالها النفسية التعيسة، وصولاً إلى الاعتناء بإشباعها جنسياً فى فراش الزوجية. وربما أرادت الكاتبة أن تنتقم من بطلها، اللامبالى المغرور، حين جعلته موضوعاً لتساؤلات الزوجة، ورسائل وخطابات العشيقة، من دون أن تعطيه أدنى فرصة ليبرر ما أقدم عليه، إلا فى خطابه الأخير، الذى أظهره رجلاً يهرب من طغيان عشق أورثه كآبة مقيمة، لأنه اعتاد ألا يكون ضعيفاً أمام امرأة. وعلى النقيض تأتى صورتا الزوجة والعشيقة إيجابيتين، فالأولى صابرة صامدة، والثانية وفية رقيقة، إلى حد أن رسائلها وخطاباتها تجعل الزوجة، تعيد اكتشاف زوجها الذى لم تعرفه أبداً، فتهيم به عشقاً بعد أن يفارق الدنيا. وتوظف الكاتبة خبرتها كامرأة فى التغلغل إلى أعماق نفس الزوجة المخدوعة المحرومة العاجزة، فتصور حيرتها، ثم رغبتها فى الانتقام «المعنوى» ممن خدعها، والثأر لكرامتها، ومحاولة التغلب على النكد العارم، الذى يغرقها، حتى ينتهى بها الأمر إلى الاستسلام لقيام أختها بمسح رسائل العشيقة، فيما تقوم هى بحرق الخطابات وحملها إلى قبر الزوج كى تهيلها على جثته، وهنا تقع المفارقة، التى تنتهى بها الرواية: «فجأة تجسد الكابوس حقيقة أمامى، حقيقة لا تقبل الجدل أو التكذيب، يرقد رامى شبه عارٍ، يحتضن امرأة من ظهرها، يضع يده اليسرى أسفل عنقها تعانق يدها اليمنى، وفوق خصرها تلتقى يدها اليمنى بيده اليسرى متشابكتين، على وجهها ابتسامة الرضى». وبينما عتق الزوج نفسه من طغيان العشق بالموت، قطعت العشيقة صلتها بسلسلة المحظيات فى عائلتها بعدم الإنجاب، وهذا جعلها فى خاتمة المطاف ممتنة للرجل الذى عذبها، فها هى تقول فى أحد خطاباتها: «لست غاضبة منك، لأنك رفضت أن تمنحنى طفلاً يهبنى أمومة هى حلم كل نساء الأرض، فأنت بذلك وضعت النهاية لتاريخ المحظيات التعيسات، فكنت آخرهن». أما الزوجة، فرغم أنها الضحية، فهى لم تجد ما يشفى غليلها، لتجتر تعاستها، وتعيش هواجسها، وتنحنى من جديد أمام إذلالها، ففى الوقت الذى ظنت فيه أن حرق الرسائل ورميها على جثة الزوج الخائن سيشفى نفسها المشتعلة حزناً، اكتشفت أن العشيقة متوحدة معه فى موت هادئ، وهنا تصف الرواية حالها، على لسانها، فى آخر جملة لها: «تلاشت معالم الطريق من أقدامى، وحيدة ضائعة، أحاول أن أصلب طولى، وأتلمس طريقاً للخروج». نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيانة زوجية صامتة خيانة زوجية صامتة



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:09 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مميزات كثيرة لسيراميك الأرضيات في المنزل المعاصر

GMT 05:00 2024 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

بوجاتي تشيرون الخارقة في مواجهة مع مكوك فضاء

GMT 05:50 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

تسلا تنشر صور للشاحنة سايبرتراك باختبار الشتاء

GMT 13:06 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

منة شلبي عضو لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بمهرجان الجونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon