عمار علي حسن
هناك من يزعم الآن أن الشعب لو ترك الدكتور محمد مرسى جالسا على الكرسى، وبلع الناس ألسنتهم وقيدوا أياديهم فلم يخرجوا ثائرين على حكم جماعة الإخوان فإن مصر كانت ستتجنب أعمال الإرهاب الأسود التى تواجهها اليوم. وقبل أن أجيب سأدعو القارئ الكريم إلى أن يتبعنى صابرا فى الخطوات الآتية:
1- إسقاط أى نظام حكم مستبد أو فاشل أو فاسد فى أى دولة فى العالم له ثمن، لأن رجال هذا النظام سيقاومون بكل ما لديهم من إمكانيات لإفشال عملية التغيير أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء دفاعا عن مصالحهم ومنافعهم وربما تصوراتهم ومعتقداتهم. وهذا الأمر ينطبق على الإخوان كما ينطبق على المنتفعين من نظام مبارك، الذين شكلوا «زبائنية» تحلقت حوله وحول نجله وتضم كبار رجال الجهاز الإدارى للدولة، وكبار رجال الأمن وبعض قيادات القوات المسلحة أيام حكم مبارك، ووجهاء الحزب الحاكم، وأصحاب الحظوة من رجال المال والأعمال ومن معهم من السماسرة، وكبار الملاك فى الريف وكبار العائلات وبعض شيوخ القبائل. وإذا كان الإخوان قد سلكوا العنف والإرهاب فى سبيل استعادة السلطة، لأن أفكارهم وتحالفاتهم تؤدى إلى هذا، فإن بقايا نظام مبارك استعملوا وسائل ناعمة فى سبيل الدفاع عن وجودهم ومصالحهم.
2- كان الجميع يتوقعون أن إسقاط الإخوان عن الحكم له ثمن كبير، بل إن المواطن البسيط، وحسب مقابلات قمت بها بنفسى قبل ثورة 30 يونيو، كان يتوقع أن يكون الثمن فادحا وجارحا، وأكبر بكثير مما يدفع الآن.
3- أى ثمن يدفع الآن أقل بكثير من ثمن بقاء الإخوان فى الحكم مدة أطول، فى ظل غياب مشروع لديهم، وخيانتهم للثورة، وتآمرهم على البلد فى ركاب مشروعهم الأممى الذى يزعم السعى إلى «أستاذية العالم» وتحالفهم مع التنظيمات التكفيرية والإرهابية، وأجهزة استخبارات أجنبية، لتهديد الأمن القومى لمصر.
4- لو استمر مرسى فى السلطة كان سيستخدم الإرهاب وسيلة أساسية للدفاع عن حكم الإخوان، فى ظل تحالف الجماعة مع التكفيريين والإرهابيين. وقد ظهر هذا الأمر جليا فى حصار مجموعة «حازمون» للمحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامى، وحرقهم مقر حزب الوفد وجريدة الوطن، ووقوفهم إلى جانب مرسى فى الصالة المغطاة لاستاد القاهرة ليهددوا كل المصريين بالويل والثبور وعظائم الأمور، وعلى منصة «رابعة» قبل ثورة 30 يونيو وقف من يقول: «سنسحقهم» وآخر ينشد: «أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها» وثالث يؤكد: «مائة ألف مسلح جاهزون للزحف إلى القاهرة إن خرج الناس مطالبين بإسقاط الحكم»، ورابع يشير إلى أن قنابل ستزرع بين المجموعات المحتشدة من المتظاهرين السلميين، وتحصد منهم ما تشاء.
ولو صبرنا سنة أخرى، ربما سعى الإخوان إلى تكوين ميليشيات داخلية مسلحة، سواء من خلال دولاب الدولة، على غرار «الباسيج» الإيرانى، أو خارج نطاق الدولة، وهى مسألة ليست مستبعدة على جماعة أصرت على أن تكون «دولة داخل الدولة» ورفضت طيلة الوقت تقنين أوضاعها حتى بعد أن وصلت إلى الحكم.
معنى هذا أن إرهاب الجماعة كان قادما فى كل الأحوال، وربما يكون أقوى وأفدح وهم فى السلطة عن درجته حين فقدوها وينازعون عليها أو يسعون إلى إنهاك الدولة أو الانتقام من المصريين مثلما يحدث الآن.
ولا يفوتنا فى هذا المقام أن نقول إن هناك ثمنا آخر يدفعه بعض الإخوان الآن، ممن كانوا يعارضون ترشيح الجماعة مرشحا للرئاسة، أو انتهاجها العنف أو إهمالها الجانب الدينى لحساب الصراع على السلطة، فهؤلاء وضعهم قادة الجماعة من القطبيين والمتحالفين مع مشروعات سياسية خارجية إقليمية ودولية، فى مهب الريح.
نقلاً عن "الوطن"