عمار علي حسن
يكافح الدكتور محمد السيد إسماعيل، على قدر طاقته، من أجل أن يوسع زنزانته، فى بلد يفتح ذراعيه طويلا لمن يطلقون سهام الضجيج فيفتحون لأنفسهم طرقا بحد الحياء وحد الغباء وقانون الغاب، بينما ينسى أولئك الذين يعملون فى صمت، ويراهنون على أن «ما ينفع الناس يمكث فى الأرض»، لكن فى النهاية «لا يصح إلا الصحيح»، وهذا ما يردده محمد دوما، وهو يحتضن تجربة شعرية تتقدم على مهل، وتجربة نقدية يحتفى فيها حتى بمن ينافسونه على درب الأدب.
يمضى شاعرنا الآن فى أول العقد السادس من عمره، مكتفيا بوظيفة حكومية بوزارة التربية والتعليم، يأتى إليها يوميا من القليوبية، بلا كلل ولا ملل، وينغمس فيها راضيا، وخلفه ليسانس دار العلوم وماجستير ودكتوراه فى الأدب العربى الحديث، ومعه أربعة دواوين شعرية هى: «كائنات فى انتظار البعث» و«الكلام الذى يقترب» و«استشراف إقامة ماضية» و«تدريبات يومية»، وأربع مسرحيات هى: «السفينة» و«رقصة الحياة» و«زيارة ابن حزم الأخيرة» و«وجوه التوحيدى» إلى جانب خمسة كتب نقدية مهمة هى: «الرواية والسلطة» و«الحداثة الشعرية فى مصر» و«بناء الحكاية فى القصة القصيرة» و«القصة النسائية فى مصر» و«غواية السرد». علاوة على هذا فقد أبدع ديوانا تحت الطبع أعطاه عنوان: «قيامة الماء»، وثلاثة كتب فى النقد هى: «شعرية شوقى» و«شهادة الشعر» و«رؤية التشكيل الشعرى». وكل هذا حصيلة جهد متواصل بدأه سنة 1982، التى شهدت نشر أولى قصائده.
ويمضى محمد السيد إسماعيل هادئا متأملا وفى يده بعض الجوائز التى تقدر جهده النقدى والإبداعى، ومنها جوائر فى النقد من المجلس الأعلى للثقافة، وهيئة قصور الثقافة، ودائرة الإبداع بالشارقة، ومجمع اللغة العربية، وجائزة فى الشعر من صندوق التنمية الثقافية، وأخرى فى المسرح من اتحاد الكتاب.
ومن ديوانه «الكلام الذى يقترب» الذى صدر عن هيئة الكتاب سنة 2007، أختار هذا المقطع:
«ذلك كان
وكأن راحته استرابت فى وجود لا يدل عليه
من يقوى على سبر السريرة
غير سيدة لها طعم السياط
على انبساط الجسم
سيدة أباحت عرشه للعاديات
وأومأت للغارمين وعابرى الطرق الغريبة
أن يقيموا فى فناء البيت ما شاءوا
إلى أن يستبينوا فى الظلام خبىء ما يأتى به
ويفاضلوا بين الإشارة والكلام
ويعرفوا الحد المراوغ بين آيته وزلة قوله
عشرون عاما هكذا
حتى تيقن فى انكفاءته
وصاح بلا يقين: هكذا يكفى
لكنهم ظلوا على عاداتهم
عشرون عاما هكذا».
ولا يعيش محمد السيد إسماعيل فى برج عاجى، بل يتفاعل مع مجريات الأحداث ويدلى فيها برأيه، وهنا تقييم له لما جرى فى 30 يونيو حيث يقول: «أثناء كتابتى لرسالة الماجستير عن الحداثة الشعرية فى مصر فى الفترة من 1945 إلى 1973 كان من الطبيعى أن أتعرض للأحداث السياسية الكبرى التى وقعت فى هذه الفترة، وكان السؤال الإشكالى الذى تعرضت له هو: هل ما حدث فى 23 يوليو 1952 ثورة أم انقلاب؟ وأجبت أن الثورة هى ما يقوم به الشعب أو يرضى عنه ويلتف حوله حتى وإن قام به الجيش وهذا ما حدث فى يوليو، وما ترتب عليه من طرد للاحتلال وإعلان الجمهورية وتأميم قناة السويس، وإصدار ما عرف بالقوانين الاشتراكية. وهذا هو الأساس فى الحكم على أى ثورة، ولا أدرى كيف غاب هذا فى الحكم على ما حدث فى 30 يونيو؟ وأصبح الخلاف بين الطرفين يدور حول عدد الخارجين فى هذا اليوم، أو عدد الساعات التى قضوها فى الميادين. والأمر عندى أن مرسى ارتكب من الأخطاء ما يستوجب الثورة عليه، حيث أراد هو وجماعته إعادة هيمنة الحزب الوطنى على كل شىء. لكن ينبغى أن نقول أيضاً إن ما حدث بعد عزله لم يقترب، حتى الآن، من أى هدف من أهداف ثورة يناير بل إن كثيرا مما يحدث الآن ضدها».
نقلاً عن "الوطن"