توقيت القاهرة المحلي 17:00:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدستور والصراع السياسى

  مصر اليوم -

الدستور والصراع السياسى

عمار علي حسن

من الخطأ أن نربط الدستور بحسابات سياسية عارضة أو طارئة. وهذه وجهة نظر بعض من يرون أن الدستور وضع ليعيش زمنا طويلا، وبالتالى يتجاوز الآنى والحالى، ذاهبا إلى الآتى والمستقبلى، ليضع فى الحسبان أحوال وظروف الأجيال المقبلة، وليس الاكتفاء باحتياجات ومطالب من يعيشون فى الوقت الراهن، ولا ما يفرضه الصراع السياسى والاجتماعى الذى يمكن أن يهدأ بعد قليل. وهذا رأى صحيح لكنه يتجاهل عدة أمور، أولها أن إمكانية تعديل الدستور قائمة، بل إن الدستور ينص على هذا فى مواده، ويضع الشروط ويعود فى النهاية للشعب ليقر التعديلات أو يرفضها من خلال الاستفتاء. وثانيها أن مواد هذا الدستور انطوت على أمور تحقق مطالب فئات عريضة من المصريين، ولا أتحدث هنا عن الفلاحين والعمال والصيادين والنساء والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة والطلاب والتلاميذ والمرضى والقضاة والمحامين والكتاب والصحفيين وغيرهم، لكن أيضاً بعض المناطق أو الأطراف الجغرافية التى حُرمت طويلا من اهتمام السلطة، وظُلمت فى عملية توزيع عوائد التنمية، كما أن مواد الدستور تخلق «توازنا» بين السلطات أفضل مما ورد فى كافة الدساتير السابقة، وإن كانت المواد التى عالجت هذه النقطة تفترض أن لدينا حياة حزبية ناضجة، وهو غير موجود فى الواقع، لكن احتمالات تحققه فى المستقبل قائمة. وفى كل الأحوال العبرة ليست بالنصوص فقط إنما بالممارسة أو التطبيق، التى تحددها القوانين والتشريعات اللاحقة. وثالثها أن هذا الدستور يهندس عملية سياسية مغايرة لتلك التى كانت تريد جماعة الإخوان أن تأخذ إليها الدولة المصرية، ومن ثم فإن الإطار العام الذى ينطوى عليه الدستور سيؤثر، من دون شك، على طبيعة التفاعلات السياسية المستقبلية، لا سيما أن جزءا من الفساد والاستبداد فى مصر نجم عن تأبد الحاكم فى موقعه، وهى مسألة لم تعد قائمة بفضل ثورة يناير، التى فرضت تجاوز ما قرره حسنى مبارك من انتخابات رئاسية شكلية، بتعديل المادة 76 من دستور 1971، بطريقة كانت تمهد الطريق أمام نجله لتولى الحكم. أما الجانب الرابع فإن الدستور، ومهما كان فيه من تعميم أو تجريد أو حياد، يعكس فى جانب منه طبيعة الصراعات الاجتماعية، وتوازن القوى بين مختلف الفئات والشرائح والطبقات، وهى مسألة قابلة للتغيير، ووقتها يمكن أن تتعدل بعض المواد لتتماشى مع الأوضاع الجديدة، مع الأخذ فى الحسبان أنه مهما كانت الطبقة المهيمنة أو المجموعة المسيطرة على الحكم فلم يعد بوسعها أن تتجاهل تغير الثقافة السياسية للمصريين بعد الثورة، وكسر حاجز الخوف، ووجود ثورة تطلعات أو توقعات لم تهدأ بعد، وتنامى الكتلة الاجتماعية الحرجة التى تطالب بالتغيير إلى الأفضل دوما، ولديها استعداد تام لتقديم التضحيات فى سبيل تحقيق هذا. لكل هذا فإن المخاوف من ربط الدستور بصراع سياسى، مثلما فعل الإخوان فى دستورهم، يجب ألا تأخذنا بعيدا، لنهيل التراب على صناعة هذا الدستور برمته، وعلى ما فيه من مواد جيدة، ولا النقلة التى يشكلها فى الحياة السياسية والاجتماعية شرط الالتزام بتطبيق بنوده، فالصراع واقع يفرض نفسه ولا فكاك منه، لكن الناس ستنسى لحظة ميلاد الدستور، ولا كيف ولد، وستتمسك مستقبلا بما فيه من مواد، وهذا هو المهم، وفى النهاية لا يضيع حق وراءه مُطالب. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدستور والصراع السياسى الدستور والصراع السياسى



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 00:01 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر لكل مؤسسات الدولة اللبنانية

GMT 13:42 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أغنى قطة في العالم تمتلك ثروة تفوق ضعف ثروة توم هولاند

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon