توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدستور والصراع السياسى

  مصر اليوم -

الدستور والصراع السياسى

عمار علي حسن

من الخطأ أن نربط الدستور بحسابات سياسية عارضة أو طارئة. وهذه وجهة نظر بعض من يرون أن الدستور وضع ليعيش زمنا طويلا، وبالتالى يتجاوز الآنى والحالى، ذاهبا إلى الآتى والمستقبلى، ليضع فى الحسبان أحوال وظروف الأجيال المقبلة، وليس الاكتفاء باحتياجات ومطالب من يعيشون فى الوقت الراهن، ولا ما يفرضه الصراع السياسى والاجتماعى الذى يمكن أن يهدأ بعد قليل. وهذا رأى صحيح لكنه يتجاهل عدة أمور، أولها أن إمكانية تعديل الدستور قائمة، بل إن الدستور ينص على هذا فى مواده، ويضع الشروط ويعود فى النهاية للشعب ليقر التعديلات أو يرفضها من خلال الاستفتاء. وثانيها أن مواد هذا الدستور انطوت على أمور تحقق مطالب فئات عريضة من المصريين، ولا أتحدث هنا عن الفلاحين والعمال والصيادين والنساء والشباب وذوى الاحتياجات الخاصة والطلاب والتلاميذ والمرضى والقضاة والمحامين والكتاب والصحفيين وغيرهم، لكن أيضاً بعض المناطق أو الأطراف الجغرافية التى حُرمت طويلا من اهتمام السلطة، وظُلمت فى عملية توزيع عوائد التنمية، كما أن مواد الدستور تخلق «توازنا» بين السلطات أفضل مما ورد فى كافة الدساتير السابقة، وإن كانت المواد التى عالجت هذه النقطة تفترض أن لدينا حياة حزبية ناضجة، وهو غير موجود فى الواقع، لكن احتمالات تحققه فى المستقبل قائمة. وفى كل الأحوال العبرة ليست بالنصوص فقط إنما بالممارسة أو التطبيق، التى تحددها القوانين والتشريعات اللاحقة. وثالثها أن هذا الدستور يهندس عملية سياسية مغايرة لتلك التى كانت تريد جماعة الإخوان أن تأخذ إليها الدولة المصرية، ومن ثم فإن الإطار العام الذى ينطوى عليه الدستور سيؤثر، من دون شك، على طبيعة التفاعلات السياسية المستقبلية، لا سيما أن جزءا من الفساد والاستبداد فى مصر نجم عن تأبد الحاكم فى موقعه، وهى مسألة لم تعد قائمة بفضل ثورة يناير، التى فرضت تجاوز ما قرره حسنى مبارك من انتخابات رئاسية شكلية، بتعديل المادة 76 من دستور 1971، بطريقة كانت تمهد الطريق أمام نجله لتولى الحكم. أما الجانب الرابع فإن الدستور، ومهما كان فيه من تعميم أو تجريد أو حياد، يعكس فى جانب منه طبيعة الصراعات الاجتماعية، وتوازن القوى بين مختلف الفئات والشرائح والطبقات، وهى مسألة قابلة للتغيير، ووقتها يمكن أن تتعدل بعض المواد لتتماشى مع الأوضاع الجديدة، مع الأخذ فى الحسبان أنه مهما كانت الطبقة المهيمنة أو المجموعة المسيطرة على الحكم فلم يعد بوسعها أن تتجاهل تغير الثقافة السياسية للمصريين بعد الثورة، وكسر حاجز الخوف، ووجود ثورة تطلعات أو توقعات لم تهدأ بعد، وتنامى الكتلة الاجتماعية الحرجة التى تطالب بالتغيير إلى الأفضل دوما، ولديها استعداد تام لتقديم التضحيات فى سبيل تحقيق هذا. لكل هذا فإن المخاوف من ربط الدستور بصراع سياسى، مثلما فعل الإخوان فى دستورهم، يجب ألا تأخذنا بعيدا، لنهيل التراب على صناعة هذا الدستور برمته، وعلى ما فيه من مواد جيدة، ولا النقلة التى يشكلها فى الحياة السياسية والاجتماعية شرط الالتزام بتطبيق بنوده، فالصراع واقع يفرض نفسه ولا فكاك منه، لكن الناس ستنسى لحظة ميلاد الدستور، ولا كيف ولد، وستتمسك مستقبلا بما فيه من مواد، وهذا هو المهم، وفى النهاية لا يضيع حق وراءه مُطالب. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدستور والصراع السياسى الدستور والصراع السياسى



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon