توقيت القاهرة المحلي 17:00:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السرطان السياسى (4 - 5)

  مصر اليوم -

السرطان السياسى 4  5

عمار علي حسن

.. وهناك جذور لفكرة «المستبد المستنير» و«المستبد العادل» أو «الطاغية الخَيّر» إذ بدأت فى أوروبا فى عصر التنوير، قائمة على تصور أن الحاكم يمكنه أن يحمل المطالب التى انطوت إليها الأفكار الفلسفية آنذاك حول الفرد والعقل والطبيعة والسعادة والتقدم. ويُتخذ من فريدريك الثانى ملك بروسيا (1740 - 1786م)، نموذجاً لمثل هذا الحاكم، حيث كان يعتبر نفسه خادماً للدولة، وقبل أن يحاسب أمام شعبه، وقام بحركة إصلاحات واسعة فى مختلف مجالات الحياة. لكن التطور الاجتماعى فى أوروبا تجاوز هذه الفكرة مع رسوخ العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم، والذى انتهى بجعل الأمة هى مصدر السلطات، وهى التى تأتى بالحاكم وتذهب به. وما ذكره عبدالرحمن الكواكبى فى كتابه المهم «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» يبدد إمكانية تواشج الاستبداد مع العدل، حيث يصف فى عبارة دالة الاسـتبداد بأنه «يقلب الحقائق فـى الأذهان، فيَسـُوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحق فاجر، وتارك حـقـه مُطـيـع، والمُشتكـى المُتـظلـم مُفسد، والنبـيه المُدقق مُلحد، والخامل المسكين صالح، ويُصبح -كذلك- النُّصْح فضولاً، والغيرة عداوة، والشهـامـة عتوّا، والحميّة حماقة، والرحمة مرضاً، كـمـا يعتـبـر أن النـفاق سياسة والتحايل كيـاسة والدناءة لُطْف والنذالة دماثة! وقد عرفت القواميس السياسية الحديثة والمعاصرة مصطلحاً أكثر إجرائية وتحديداً وعمومية للاستبداد، وهو «الديكتاتورية» التى تعنى حكم الفرد المقترن بالتعسف، وقد يكون حكماً عسكرياً ينشأ حين يتمكن الضباط وجندهم من الاستيلاء على السلطة، وقد يكون حكماً مستنداً إلى طغيان الحضور الشخصى لزعيم يحظى بجماهيرية جارفة وكاسحة، على الأقل فى بداية الجلوس على الكرسى الكبير، والتنعم بصلاحياته المفرطة. ومصطلح الديكتاتور رومانى الأصل، ظهر فى البداية ليدل على منصب حاكم من النبلاء يرشحه أحد القنصلين بتزكية من مجلس الشيوخ، ويتمتع بسلطات استثنائية تجعل الدولة خاضعة له فى أوقات الأزمات على حساب توزيع السلطة بين قنصلين متساويين وموظفين كبار ومجلس الشيوخ والمجالس العامة. وهناك ثلاثة أمثلة ناصعة على الديكتاتورية المعاصرة، الأول هو بينيتو موسولينى (1883- 1945) فى إيطاليا، الذى تصرف كقيصر رومانى عتيق، ولم يتقيد بتفويض ولا قانون لا سيما منذ عام 1925، وأطلق على نفسه اسم «الدوشه» أى الزعيم، وتحكم فى مقاليد الأمور بيد من حديد عبر حزبه الفاشى. أما الثانى فهو أدولف هتلر (1889 - 1945) الذى وصل إلى الحكم بواسطة الانتخابات لكنه انقلب على الديمقراطية وقبض على الزمام كله بحزبه النازى وطغيان شخصيته، وقاد بلاده إلى الهلاك فى الحرب العالمية الثانية. والثالث هو جوزيف ستالين (1878- 1953) الذى انقلب على مبادئ لينين وحكم الاتحاد السوفيتى المنهار ثلاثين عاماً بالحديد والنار، وأمر بتصفية معارضيه أو ترحيلهم قسرياً ونفيهم إلى سيبريا. لكن هذه الأمثلة الكبرى سبقتها وتخللتها وأعقبتها ديكتاتوريات أخرى عديدة فى مشارق الأرض ومغاربها، لا سيما فى بلدان العالم الثالث، من أمثال عيدى أمين فى أوغندا، وبوكاسا فى أفريقيا الوسطى والذى اشتهر بتفضيل لحوم الأطفال، ومحمد رضا بهلوى شاه إيران، وصدام حسين فى العراق، وحافظ الأسد فى سوريا، ومعمر القذافى فى ليبيا، والحكام المتعاقبين فى كوريا الشمالية، وديكتاتوريات عديدة فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا قبل أن تهب عليها رياح الديمقراطية. (ونكمل غداً إن شاء الله تعالى) نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السرطان السياسى 4  5 السرطان السياسى 4  5



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 00:01 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر لكل مؤسسات الدولة اللبنانية

GMT 13:42 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

أغنى قطة في العالم تمتلك ثروة تفوق ضعف ثروة توم هولاند

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon