توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فقه العمران

  مصر اليوم -

فقه العمران

عمار علي حسن

لا تنفصل العمارة عن الحضارة، إذ يجب أن تتناسب ليس فقط مع المناخ وطبيعة الأرض والظروف والأحوال الاقتصادية إنما أيضاً مع الخصوصيات الاجتماعية والقيم الدينية. وقد سبق أن تحدث «ابن خلدون» عن هذا فى مقدمته الشهيرة، وقرأت هذه الآراء مستعادة وبشكل جديد وحديث فيما يكتبه العراقى رفعت الجادرجى عن «العمارة والسياسة» ولمسه بطريقة أو أخرى حسن فتحى فى «عمارة الفقراء». وجاء كتاب الدكتور خالد عزب «فقه العمران.. العمارة والمجتمع والدولة فى الحضارة الإسلامية» ليدفع هذا التصور خطوات قوية إلى الأمام، إذ يثبت أن العمارة لم تكن بعيدة عن تدخل الفقه فى حياة المسلمين، فالحاكم كان حريصاً على تطبيق «السياسة الشرعية» فى حركة البناء والتشييد، والأفراد كانوا يسألون الفقهاء عن البنيان الذى يتناسب مع أحكام الدين، الأمر الذى أدى إلى تراكم أحكام فقه العمران مع مرور الزمن لتشكل إطاراً قانونياً يلتزم به الحكام قبل المحكومين. وفى الكتاب الذى يُعد دراسة عملية شاملة وعميقة للعلاقة بين العمارة الإسلامية والمجتمع الذى صاغ البيئة العمرانية والأنماط المعمارية والدولة، نقف على رؤية السياسة الشرعية للعمران كإطار عام حاكم يتناول كليات وليس له علاقة بالجزئيات، فالسياسة الشرعية تهدف إلى إرشاد الحاكم لطرق تحقيق مصالح المحكومين. وقد نظر علماء الشرع للعمارة من زوايا عدة، فهناك البناء الواجب مثل دور العبادة، والمندوب كالأسواق التى تندب لتوفير السلع للناس، والمباح كالمساكن، والبناء المحظور كالبناء على أرض الغير. بل تناول الفقهاء دور الشرع فى التنظيم والتخطيط العمرانى للمدن، على مستوى تحديد أحكام للسلوك فى الطرق العامة والطرق الخاصة، لتظهر العديد من المصطلحات فى سجلات المحاكم الشرعية والمصادر الفقهية مثل حفظ حق الطريق وحقوق الجوار وضرر الدخان وإحياء الموات والحوائط المشتركة والركوب وغيرها من القوانين التى تحافظ على البيئة الحضرية فى المدن. ومثلت عمارة المساجد أحد الأبواب المهمة لتدخل الفقه فى العمران، سواء فى تحديد شكله وتقسيمه الداخلى أو هيئته الخارجية. وجاءت الأسواق والمنشآت التجارية لتشكل باباً آخر، حيث خضعت الأحكام الفقهية فى هذا الخصوص إلى اعتبارات عديدة فى تخطيط أسواق المدن، لعل أولها التوزيع المكانى الذى حكمته الحاجات المتكررة للسكان، والتخصص فى حركة البيع والشراء، حيث تتعدد المنشآت التجارية كالحوانيت والقياسر والوكالات والسماسر والفنادق. وقد خصص المؤلف الفصل الخامس من كتابه لعمارة المساكن، ليستعرض نماذج تكوين واجهات منازل مدن مثل شبام ورشيد وفوه وبغداد والموصل التى تعد أشبه بتكوين قصصى، فمكوناتها تروى حكاية تكوين المبنى، وترسم ملامحه، فكل واجهة تعكس العديد من القواعد الفقهية مثل ضرر الصوت أو حق الجوار أو حيازة الضرر أو ضرر الكشف، فترى اختلافاً كبيراً فى بروز أو رجوع أو حتى مساحات الرواش والمشربيات والقمريات والشمسيات فى الواجهة، بل إن مداخل هذه الواجهات لا تتقابل تطبيقاً لمبدأ أضرر الكشف فى فقه العمارة الإسلامية، امتد النص القصصى للمنازل إلى توزيع وحدات المنزل من الداخل، التى قامت على تخصيص وحدات للاستقبال، وأخرى لأهل المنزل تكفل لهم درجة عالية من الخصوصية، تعرّض المؤلف كذلك لفلسفة تأثيث المنازل الإسلامية التى قامت على الاستغلال الأمثل للفراغات، بحيث تتعدد وظائف الأماكن فينتج عن ذلك اقتصاديات عالية فى عمارة المساكن، وأخذ يطرح الاختلاف بين آداب ألف عام فى القواعد الإسلامية والقواعد الغريبة وأثر ذلك على تأثيث الأماكن. ولا يكتفى الكتاب بهذا، بل يتناول فقه المياه والمنشآت المائية فى الحضارة الإسلامية، حيث المنشآت المائية وأحكامها وعمارتها كالسدود، ومقاييس مياه الأنهار، والسقاية والأسبلة والحمامات، كما ظهرت فى عدة مدن على امتداد العالم الإسلامى. وفى الفصل السابع من هذا الكتاب الشيق يربط المؤلف ين المجتمع والأوقاف والعمارة، حيث إن العديد من الوظائف، ومنها الرعاية الاجتماعية والصحية، كانت تقوم بها المجتمعات الإسلامية، وهنا تظهر منشآت مثل البيمارستانات أو المستشفيات ودور رعاية المطلقات والمطابخ التى كان يشيدها السلاطين والأمراء والأثرياء لتوفير الطعام للفقراء. وفى الفصل الأخير يتعرض عزب للهندسة المعمارية، فنراه يتعرض لابتكارات المسلمين فى هذا المجال وظهور علوم جديدة كعلم عقود الأبنية، وهو علم يتناول أوضاع الأبنية وكيفية شق الأنهار وتنقية القنوات وترميم المساكن.. إلخ، وكذلك علم استنباط المياه الكامنة فى الأرض وإظهارها لإعمار الأرض وزراعتها، ويعرفنا المؤلف على طائفة المعماريين ودورها الحضارى، ويكشف لنا عن أصول الرسم المعمارى ونماذجه لدى المسلمين، واستعانة القضاة بالمهندسين كخبراء فى مجال قضايا العمارة، ويقدم لنا سيرة أشهر المعماريين فى حضارة المسلمين. نقلا عن جريدة الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فقه العمران فقه العمران



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon