توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القاهرة وتوحش المدينة (2-4)

  مصر اليوم -

القاهرة وتوحش المدينة 24

عمار علي حسن

وليس كل أحياء المدينة الواحدة سواء، فنحن نتحدث دوماً عن «قلب المدينة» أو المضغة الأساسية التى نما منها كل هذا الجسد الأسمنتى المترهل ونسميه «Down Town»، ومنه يبدأ الحكماء والفاهمون رحلاتهم لاكتشاف معالم أى مدينة يحلون بها، فيقولون لمن يدفعونهم إلى الفنادق الفارهة والمخادع الناعمة: «نريد أن نرى القلب». ونتحدث أيضاً عن الأحياء الجديدة التى تنمو باستمرار، ويصيب بعضها ما قبله بالقدم، ونفرق بين ما نطلق عليها «أحياء شعبية» يسكنها بسطاء الناس ممن ينتمون إلى الشريحة العليا والمتوسطة فى الطبقة الدنيا والشريحة الدنيا فى الطبقة الوسطى، وما نسميها «أحياء راقية» والتى يقطنها علية القوم، والشريحة العليا من الطبقة الوسطى. وهى تتفاوت فى إمكاناتها بين عمارات تحوى شققاً موزعة على أسر عديدة، وبين بيوت وحيدة فخيمة تقطنها أسرة واحدة أو عائلة نطلق عليها «فيللا». والصنف الأخير من الأحياء هناك قديمه الذى يحتفظ بعراقته ووضعه الاجتماعى رغم تقادم عمره، وهناك الجديد الذى تنشئه الطبقات الثرية وتقيم حوله الأسوار التى تحميه من أيدى الطامعين من اللصوص والجائعين والمنتقمين والمشردين. وفى الوقت الذى قد ينيخ الدهر فيه على سكان الشطر الأول فتتراجع مكانتهم الاجتماعية وثرواتهم ولا يحتفظون من إمكانياتهم القديمة إلا برائحتها أو ذكرياتها التى يستحضرونها، إما راغبين فى إثبات تميزهم، أو من باب المباهاة بأنهم كان لهم مجد ومكانة قد راحت، أو لإخفاء عوراتهم الراهنة التى راكمها الزمن. وهناك من هذا الصنف ما يفقد خصوصيته ورونقه بمرور الزمن، ولا يعطى سكانه حتى فرصة الحديث عن ماضيهم التليد، أو مكانة حيهم التى تراجعت مع تعاقب الأجيال، حيث تكلح البنايات وتتصدع، ويزيد السكان على الحجرات، ويضغطون تحت أقدامهم اللاهثة بقايا الجمال النائم منذ زمن طويل، فيغيب تباعاً، ويزحف إلى الشوارع الباعة الجائلون، والعربات الصغيرة الهائمة. وهناك أيضاً الأحياء العشوائية، وهى الضيف الجديد الثقيل على المدينة، الذى أتى إليها مع هجرات القرويين الساعين وراء ما يقيم أودهم، أو الهاربين من الفقر والجوع والمرض والإهمال المزمن، فبعض الآتين منهم إلى المدينة لا يعودون، إنما يبقون هنا باحثين عن مأوى، ولا يجدونه إلا فى الزوائد الدودية المشرفة على التعفن، التى تطال جوانب المدينة، أو تسلل إلى داخلها فى بعض المواضع، كبيوت متداعية، أو علب أسمنتية مبعثرة، أو عشش وأكواخ من الصفيح، يهزها الريح. بل وصل تضخم هذه الحالة إلى درجة أننا نجد علماء الاجتماع قد خصصوا لها مصطلحاً فريداً هو «مدن العشش» Shanty Towns، وهى منتشرة فى دول العالم الثالث بكثافة، ولا يخلو منها العالم الأول أيضاً. ومن سمات هذا النوع من المساكن شغل الأرض بطريقة غير قانونية، عبر وضع اليد أو التجبر، والتجمع فى البقع الاقتصادية ذات القيمة الاقتصادية المتدنية نسبياً، حيث يقوم من وضعوا أقدامهم فيها، أو أياديهم عليها، ببناء بيوت لهم بلا تراخيص قانونية، ودون التقيد بشروط العمران التى حددتها الدولة، ولذا تعانى هذه المبانى من نقص المرافق والخدمات. وقد تمتد لها يد أهل الحكم والإدارة فيما بعد محاولة أن تنظم المبعثر منها، وتوفر الخدمات مثل المياه العذبة والصرف الصحى والكهرباء وتعبيد الشوارع المتعرجة وتشجيرها، وكذلك مكافحة الجرائم الساكنة فيها. (ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاهرة وتوحش المدينة 24 القاهرة وتوحش المدينة 24



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon