توقيت القاهرة المحلي 10:41:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عم عبدالمجيد الخولي

  مصر اليوم -

عم عبدالمجيد الخولي

عمار علي حسن

مات عم عبدالمجيد الخولى، الفلاح الفصيح لزماننا، والمناضل العتيد النبيل، بعد أن صدمته سيارة مسرعة عند النصب التذكارى فى ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء، ولم تدعه يفتح عينيه ليرى قاتله وهو يمرق كالسهم فى مساحات رمادية، بين الظلمة والنور. رأيته مرتين بعقلى وقلبى قبل أن تراه عينى، الأولى حين طالعت أطروحة دكتوراه أستاذى الدكتور كمال المنوفى، رحمه الله، «الثقافة السياسية للفلاحين» الذى كان هو ورفاقه مادتها العلمية، نظرياً وميدانياً، والثانية حين قرأت عن كفاح قرية كمشيش بالمنوفية ضد الإقطاع قبل ثورة 1952 وضد الاستبداد بعدها، والتى سجلت المناضلة شاهندة مقلد جانباً منها فى كتاب مهم. وجاءت اللحظة التى رأته فيها عينى حين ذهبت لكمشيش لمشاركة الأم شاهندة احتفالها بذكرى استشهاد زوجها صلاح حسين، الذى قاد النضال هناك، وكان الخولى واحداً من أبرز رفاقه، فيومها وقف «الخولى» ليخطب، فانطلق قلبه بلغة فياضة، بالقلب كان يتحدث وليس باللسان، وجسده النحيل يهتز بقوة، فيتأرجح فى جلبابه الوسيع. أيام الثورة دخل ميدان التحرير والشمس تطل من بين البنايات على الرؤوس المرفوعة. مشى بخطوات سريعة نشطة وكأنه يسبق الزمن، أو أنه يستعيد زخم أيامه التى ولت ويستحضر لحظة البدايات ويطلقها فى ساقيه النحيلتين، فيدوس على الأرض بثقة. بدا غريباً هنا بجلبابه الرمادى وطاقتيه التى تقف كجذع نخلة قديمة على شعره الذى سكنه المشيب. طاقية تحتفظ داخلها بكثير من الهواء الذى جاء معه من براح الزرع، فتعطيه طولاً وشموخاً. لا أحد هنا يعرفه إلا قلة، أما هو فيعرف الجميع. سيماهم فى وجوههم من أثر التمرد. الثائر الساكن تحت جلده خرج من مسامه يطل على الغاضبين فى تلك البقعة المحررة من الوطن الذى اغتصبوه، ويستعرضهم وجهاً وجهاً. كلهم يشبهونه فى ميعة الصبا، وهنا المكان الذى بوسعه أن يقف على أى شبر فيه يسع جسده النحيل، وهو يشعر بأنه لا يزال على قيد الحياة، التى عاش يتمناها. ماتت أحلامه منذ انكسر وصاحبه فى قرية كمشيش، حين خرجوا ذات فجر يصرخون ضد الإقطاعيين الذين كانوا يمصون دماءهم فى صمت وتلذذ. ذهبوا وجاء غيرهم وانفتحت أفواههم الوسيعة وأمسكت أسنانهم الحادة برقاب عشرات الملايين، بينما عيونهم تضحك وأجسادهم لا تتراخى أبداً، ولم يجدوا إلا أصواتاً مبحوحة لا تصل حتى إلى آذان من يطلقونها. لم تدر الأغلبية الكاسحة المحتشدة فى ميدان التحرير شيئاً عن الرصاص الذى فرقع فى الزمن البعيد، فخر أحد المناضلين صريعاً فى قريته التى جذبها من غياهب النسيان ووضعها فى قلب التاريخ. لا يدرون شيئاً عن الأرملة التى احتضنت ذكراه صابرة، ولا عن الشعر الذى جرى على ألسنة كثيرة تتغنى به: «فلاح ابن فلاح والبلد كمشيش لسه الرجال فيها عايشة باقية ومابتمشيش ثابت على مبدئى وقولى وكلامى تراث للتاريخ هيعيش». كان «الخولى»، رحمة الله عليه، يعرف كل شىء، ويصر على أن يشارك فى صناعة التاريخ، إلى أن جاء من يخطف جسده لكن روحه ستظل معنا إلى أن نحقق كل أحلامه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عم عبدالمجيد الخولي عم عبدالمجيد الخولي



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon