توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حتى نفهم أكثر

  مصر اليوم -

حتى نفهم أكثر

عمار علي حسن

كل فعل إنسانى يجب فهمه فى سياق نفسى، واجتماعى واقتصادى، وسياسى، وثقافى فى آن، الأمر الذى يجعلنا فى أمس الحاجة إلى رؤية إحاطية أو تكاملية، تستفيد من عطاء العلوم الإنسانية على وجه الخصوص، ومن دون ذلك ليس بوسعنا أن نتخيل طرق ناجعة مختلفة للتعامل مع المشكلات البحثية والحياتية التى نواجهها. فإذا كان التخصص المتزايد قد أفاد العلم، فإن فائدته بالنسبة للعالم نفسه هى محل شك، فالعالم الذى يكرس حياته كلها لمجال أو فرع علمى ضيق، يتحدد تفكيره بهذا المجال ويصعب عليه الخروج عنه، مع الثورة الرهيبة فى المعلومات والمعارف، وبهذا يقع كثيرون من المشتغلين بالعلوم فى فخ الانشغال بفرع واحد، ولا تنمو لديهم سوى ملكة واحدة، بل قد تضمر بمرور الوقت، تحت وطأة الاستسلام للسير فى مسرب علمى محدد، ويبدو حال مثل هذا الباحث شبيهاً بإنسان له أنف ضخم وأذن هائلة، لكن جسمه ضئيل معلق بهما، حسب تصور الفيلسوف الألمانى فريدريك نيتشه، بل يطلق البعض عليه لقب «الهمجى المتعلم»، Savage The Learned أو «العالم الجاهل». وفى كتابه الرائع العميق «التفكير العلمى»، يقول الدكتور فؤاد زكريا إن التخصص المفرط لا يؤدى فقط إلى عزل المشتغل بالبحث العلمى عن كافة جوانب المعرفة الأخرى، بل يعمل أيضاً على توسيع الفجوة بين العلم والإنسان، إذ يحول العلم إلى أداة فنية مفرطة فى التعقيد، وإلى مجموعة من الإجراءات التى تقتضى تدريباً وتعليماً مكثفاً، ومن ثم يتباعد العلم تدريجياً عن الإنسان فى وجوده المتكامل المحسوس، وفى مشاكله الواقعية العينية، ويزداد البحث العلمى عجزاً عن رؤية الصورة الكلية للحياة الإنسانية، لأنه يفنى عمره فى قطاع شديد الضآلة من قطاعات عالم الطبيعة أو الإنسان». وبمرور الزمن قد يعتقد أن المسرب الضيق الذى يمر فيه هو الحياة بأسرها، ولا يتخيل شيئاً مختلفاً عنه، أو متناقضاً معه، أو حتى مكملاً له، لكن التمرد على ضيق التخصص، والخروج منه إلى براح المعرفة الإنسانية الواسعة، أو استخدام عطاءات العلوم والمعارف الأخرى فى تعزيز «التخصص» وإثرائه، ورؤية الجوانب المظلمة فى الظواهر التى يدرسها المتخصصون صار مألوفاً لدى كثير من الباحثين فى الوقت الراهن، ولهذا يقول عالم الاجتماع الأمريكى «رايت ميلز» فى كتابه «الخيال العلمى الاجتماعى»: إن «الحقيقة المركزية اليوم هى تحلل الحدود الفاصلة بين الأنظمة بصورة متزايدة، فالمفاهيم أصبحت تتحرك من نظام إلى آخر بيسر وسهولة متنامية، وفى هذا الشأن سنجد أن هناك حالات بارزة فى مجالات العمل ترتكز على الاقتصار على التمكن والسيطرة من لغة ميدان واحد، ثم استخدامها بحذق ومهارة فى المجال التقليدى لمجال آخر.. ونحن نجد أن كل علم من العلوم الاجتماعية قد عملت على تشكيله تطورات داخلية ذات صبغة فكرية، كما أن كلاً منها قد تأثر أيضاً بصورة قاطعة بأحداث نظامية، وكثيراً ما كانت مسألتى التسامح والاختلاف فى مجال الأنظمة القائمة بالفعل، وتشمل الفلسفة والتاريخ والعلوم الإنسانية، هما اللتان تحكمان ميادين علم الاجتماع والاقتصاد والأنثروبولوجيا، وعلم السياسة، وعلم النفس». وقد ضرب الباحث رايموند جيس فى كتابه: «السياسات والخيال» مثلاً ناصعاً على استخدام الدراسات عبر النوعية فى إطلاق خياله العلمى، حيث وظف معرفته الواسعة بالتاريخ والأدب، والفنون، واللغات الأوروبية، والفلسفة لتحليل وضع السياسات العالمية فى الوقت الراهن واستشراف مستقبلها، فى مقالات متتابعة متنوعة، حاول فيها أن يثبت أن توظيف الخيال فى صنع السياسات لا يقتصر على المثاليين، أو النازعين إلى، والراغبين فى بلوغ الوضع الأمثل، إنما أولئك الذين يتفاعلون بشكل جاد مع الواقع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى نفهم أكثر حتى نفهم أكثر



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon