توقيت القاهرة المحلي 09:55:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«سنة أولى إخوان»

  مصر اليوم -

«سنة أولى إخوان»

عمار علي حسن

لم يستطع الأستاذ سعد القرش، الروائى والكاتب الصحفى، أن يقف صامتاً حيال الزلزال الرهيب الذى هزّ مصر على مدار ثلاث سنوات، بل تنقّل بين الميدان والمكتب، ناهلاً مما يجرى بين الناس وما استقر فى رأسه من فهم وعلم ودراية وما عركته تجربته الذاتية الخالصة، ليسطر، بلغة أدبية فياضة، ثلاثة كتب وُلدت تباعاً هى «الثورة الآن.. يوميات من ميدان التحرير» و«أيام الفيس بوك.. مسائل واقعية فى عالم افتراضى» ثم جاء كتابه الثالث: «سنة أولى إخوان.. وقائع وشهادة على 369 يوماً قبل اختفاء التنظيم»، ليغطى به سنة حكم جماعة الإخوان، ويهديه إلى «شهداء الثورة، وجرحاها.. مصابين وقابضين على الحرية، مراهنين على استكمال الطريق، وإلى أرواح الشيخ محمد عبده ويحيى حقى وطه حسين وجمال حمدان ويوسف إدريس.. وأرواحنا»، ويبدأه بعبارة دالة للصوفى الكبير «النفرى» تقول: «إنما أحدثك لترى، فإن رأيت فلا حديث». ويفاجئنا «القرش» بحكاية تبين أنه كان من الممكن أن ينضم يوماً إلى صفوف جماعة الإخوان، ففى أول الصبا قرأ لأقلام من الجماعة، فاهتز قلبه وفاض وجدانه وتعاطف معها، سالكاً الطريق الذى قاد كثيرين إلى قلب الإخوان، حين واصلوا السير فيه مستسلمين لما طالعوه أو مصدّقين إياه أو متواطئين معه، وهنا يقول: «فى أبريل 1979 جمادى الأولى 1399، وقفت ببداية طريق كان يُفترض أن ينتهى بى إلى مكتب الإرشاد، اشتريت مجلة (الدعوة) الشهرية الناطقة باسم جماعة الإخوان»، ليخرج «القرش» من هذه التجربة مدركاً الأسباب والدوافع والخلفيات التى تجعل الإخوانى على الهيئة التى ظهر عليها بعد ثورتى يناير ويونيو، فها هو يقول: «يتأكد لى الآن كيف تكوّنت عقيدة فتى فى الثالثة عشرة، رأى العالم، كما يريد له الإخوان، مجرد فسطاطين، مسلم ينتمى بالضرورة إلى جماعة الإخوان، وآخر مسلم لا ينتمى إلى الإسلام الحق من وجهة نظر الإخوان، أو غير مسلم». وبعد هذه السنين الطويلة يقول: «إعادة قراءة مجلة الدعوة الآن تجعلنى أكثر إشفافاً على أى إخوانى، باستثناء القيادات التى تتخذ الجماعة والدين قناعاً لتوجه رأسمالى متوحش». وأتصور أن هذه التجربة الذاتية مهمة وكاشفة، لأنها تكررت فى حياة الملايين ممن حاول الإخوان أن يصطادوهم فى ميعة الصبا، ولكل منهم حكاية، داخل أسوار المدارس أو فى حرم الجامعات أو مبانى المدن الجامعية أو المساجد ومعسكرات الكشافة والأندية الاجتماعية والرياضية والجمعيات الخيرية. بعضهم استجاب، لا سيما أولئك الذين لم يمتلكوا عقلاً نقدياً أو تميل نفوسهم إلى التعصب أو من وجدوا الرعاية المادية فى كنف الجماعة، أو من ظنوا أن بقاءهم فى صفوف الإخوان يمنحهم فرصة الدفاع عن الدين فى وجه المتربصين به من كل جانب، كما صور لهم قادة الجماعة، وبعضهم غادر هذه المرحلة غير آسف عليها، ومن بينهم كتاب ومفكرون كبار نقدوا الجماعة بشدة، ويتذكرونها الآن، بعد كل ما جرى، بمزيد من التأمل والتدبر، مثلما فعل «القرش»، وهؤلاء لم تكسبهم الجماعة، ولم تكن حريصة عليهم لأنهم لن يمتثلوا لمبدأ السمع والطاعة، ولهذا صارت بمرور الأيام جسداً هائلاً بلا عقل، ودفعت ثمناً باهظاً، كما رأينا ونرى. لم يكتفِ الكتاب، الذى صدر عن «الدار المصرية اللبنانية»، بهذه التجربة، التى احتلت نحو خُمس صفحاته المائة والأربعة والسبعين، بل راح يوثق أحداثاً كان الإخوان طرفاً فيها أو تماسوا معها منذ جمعة الغضب 28 يناير 2011، حتى يوم إسقاط حكم «مرسى» فى 3 يوليو 2014 بعد ثورة شعبية ثانية. ولم يستسلم الكاتب للتصورات الجاهزة التى تقول إن الإخوان قد انحرفوا عن طريق مؤسسهم، واقعين فى فخ أفكار سيد قطب المتطرفة والمتزمتة، التى مثّلت إطاراً لأعمال عنف وإرهاب، بل يرى أن الدودة فى أصل الشجرة، وأن أفكار «البنا» نفسها خلقت أرضية لهذا العنف وذاك التعصب، وهنا يستعرض الكاتب ما فعله التنظيم الخاص، الذى أسسه «البنا» نفسه ووضع لائحته الداخلية، من اغتيال معارضين للجماعة، وهنا يقول فى عبارة لافتة: «كشفت الكلمات عما يدور فى الصدور، فلم تكن الدولة والشعب والثورة من مفردات جماعة كان سيد قطب نفسه يرى أن مؤسسها حسن البنا نسخة عصرية من مؤسس حركة الحشاشين الإسماعيلية». ما يميز كتاب الصديق سعد القرش، هو أنه يزاوج فى توثيقه بين ما رآه عياناً بياناً وما سمعه بأذنه همساً وصراخاً، وشارك فيه عن رغبة ورضا، وبين ما كتبه آخرون فى الصحف أو الدراسات والكتب أو ما قالوه له فى جلسات ولقاءات خاصة، وهو المنهج ذاته الذى اتبعه فى كتابه «الثورة الآن»، تلك الثورة التى جذبت أديباً، أنتج خمس روايات ومجموعتين قصصيتين، ليكتب عنها ثلاثة كتب، محاولاً بها أن يلاحق أحداثها التى تتدفق بلا هوادة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«سنة أولى إخوان» «سنة أولى إخوان»



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:31 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon