عمار علي حسن
فى العام قبل الماضى حصلت الطالبة «داليا عبدالغنى عبدالحميد عبدالرحمن سعد» على ليسانس الآداب والتربية، شعبة اللغة الفرنسية، بتقدير عام «امتياز مع مرتبة الشرف»، وانتظرت أن يتم تعيينها معيدة بالكلية أسوة بما جرى فى كل الكليات بناءً على قرار من رئيس الجامعة، لكن هذا لم يحدث، لغرض لا تعلمه يقيناً إلى الآن، وكانت تساورها شكوك بشأنه.
لكن كل شىء ظهر حين فوجئت بقيام الكلية بتنظيم مسابقة على مستوى الجمهورية لتعيين معيدين بالكلية فى بعض التخصصات ومنها اللغة الفرنسية، رغم أن «داليا» لم تحز المركز الأول على كليتها فحسب، بل إن مجموعها التراكمى الذى وصل إلى 90% هو الأعلى بين الأوائل على الأقسام قاطبة.
هكذا أرسلت لى «داليا» وحكى لى والدها، الرجل البسيط الطيب، حين التقيته فى مدينة «بركة السبع» وأنا فى طريقى إلى جامعة طنطا قبل أسبوعين للمشاركة فى مناقشة أطروحة دكتوراه فى الفلسفة السياسية، وعاهدته أن أقف إلى جانب ابنته ما دام لها حق، وأن أقاوم أى نية مبيتة لإقصائها بغية إفساح الطرق أمام غيرها، كما جرت العادة فى جامعات كثيرة، وكما ألفنا وعرفنا طيلة العقود الفائتة فى جامعاتنا، وهى مسألة يبدو أن من بين المسئولين فى الكليات والجامعات من لا يريد أن يتعظ وأن يغير ما بنفسه بعد ثورتين عظيمتين، قامتا من أجل الانتصار للعدل فى وجه الظلم، والاستحقاق والجدارة فى وجه المحسوبية، والمساواة فى وجه التفاوت، والانضباط فى وجه التجاوز، والقانون فى وجه الفوضى.
لا أريد أن أستبق الأحداث والوقائع، وأقول إننى أشم رائحة غير طيبة مما يجرى لـ«داليا» وأمثالها، وكلى أمل فى أن يتدخل السيد الأستاذ الدكتور صبحى غنيم رئيس جامعة المنوفية لتدارك هذا الخطأ، ويقوم بتمكين هذه الطالبة التى حافظت على تفوقها لسنوات أربع، وجالدت وجاهدت من أجل ألا تنزلق عن القمة، وأولى بأساتذتها أن يحتفوا بها، وأن يعدوها إعداداً مناسباً فى الدراسات العليا لتكون عضوة هيئة تدريس جيدة، لتخرّج بدورها أجيالاً واعية فاهمة، وهذا رهاننا فى المستقبل على كل من يتصدى للتعليم، فبدون ترقيته وتجديده لا يمكن لبلدنا أن ينهض من كبوته، ويستيقظ من غفلته.
وأعتقد أن رئيس جامعة المنوفية لو جلس إلى والد «داليا» كما جلست، وأنصت إلى شكواه كما أنصتّ، واقتنع بمظلمته كما اقتنعت، فإنه سيرق لحاله، وسيتخذ القرار الذى يزيل عنه غضبه المكبوت من الظلم الذى طال ابنته، ويُذهب عنه الحزن الذى يعتلج بصدره على انفطارها من شدة الشعور بالقهر، ويبدد له الشكوك التى تساوره من أن استبعاد ابنته ليس بالقرار البرىء، ولا المتعجل، ولا العادى أو الراجع إلى الإهمال واللامبالاة فى زحمة العمل، إنما هو قد يكون مدبراً لأمر لا يعلمه، ويتكئ فى هذا، ومعه كل الحق قياسا على كل ما كان يجرى، على وقائع أخرى شهدتها وتشهدها الجامعات المصرية.