عمار علي حسن
جاهدت الكاتبة اللبنانية «مايا الحاج» حتى تمنح قارئ روايتها الأولى المفتاح الذى يدخل به إلى فضاء نصها، ليدرك مضمونه ويستمتع به فى آن واحد، عبر لغة بسيطة حميمة، يشعر معها وكأن الكاتبة تخصه بالبوح بمكنون أسرارها، وإطلاعه على كل ما تريد أن تخفيه، وكذلك من خلال شكل سهل نسبياً، لاعتماده على بناء مستقيم أو خطى يتقدم إلى الأمام، حيث تتوالى الصور والتعبيرات اللفظية لتقطع خطوات جديدة واصلة بين البداية والنهاية، وبواسطة ضمير «الأنا» الذى يهيمن على النص، ويجعله قريباً من عقل ووجدان من يطالعه، وكل هذا يتم وفق مشيئة البطلة «الساردة» التى تمسك بزمام الأحداث، ولا تبخل على المتلقى بشىء، ولا تتوقف عن التساؤل، باحثة عن إجابات شافية كافية، مرة فى الدين، ومرة فى الفنون بشتى أصنافها.
فعنوان الرواية، التى تقع فى 175 صفحة من القطع المتوسط، هو «بوركينى.. اعترافات محجبة» يبين، بصيغة عامة وكلية، ما تريد الكاتبة أن ترسم ملامحه، إذ إن المقطع الأول هو حصيلة المزج بين كلمتى «برقع» و«بكينى»، وهما قطعتا ملابس متناقضتان تماماً، فى الوظيفة والدلالة أو العلامات الكامنة خلفهما، وكلتاهما تنتميان إلى ثقافتين مختلفتين، وتثار بشأنهما تصورات وحمولات معرفية متضاربة.
ورغم أن مساحة الزمن فى الرواية محددة، إذ لا تستغرق سوى أسبوع واحد متراوح بين اللحظة التى تقف فيها البطلة أمام لوحاتها وبين موعد تنظيم معرضها الفنى الأول، لتطرح على نفسها هذا التساؤل: «هل أترك بيتى بشعرى الناعم المُفرد بعد خمس سنوات من حجبه لسبب لا أعرفه، أم أننى أضع المنديل الكحلى المزدان بالورود؟ هل أخرج بين الناس بالجسد المتخفف من ثقل ملابسه أم أُبقى على احتشامى؟»، وتتعمق التساؤلات بعد أن تظهر الحبيبة السابقة لخطيبها بجسد ممشوق ولباس يبرز مفاتن جسدها، تعبر عنه البطلة قائلة: «ملابسها تكشف الجزء الأكبر من جسدها، إنها تكاد تطير من فرط خفتها، أو الأصحّ خفّة ملابسها. أما أنا فأبدو ثقيلة. جاثمة على الكرسى مثل كيس من الخيش». وتستغرق الإجابة عن هذه التساؤلات، أو التخلص من هذه الهواجس كل صفحات الرواية.
وهذا التناقض تجسده بطلة الرواية فى مظهرها ومخبرها، فهى فتاة ترتدى الحجاب، وفى الوقت نفسه تميل بكل كيانها إلى رسم الأجساد الأنثوية العارية، مغرقة فى تحديد التفاصيل بما يفتح باباً وسيعاً أمام اشتهائها، وهى مثقفة معتزة بعقلها ولا تروق لها التصورات التى تتعامل مع المرأة على أنها مجرد موضوع للجنس، بينما تميل نفسياً إلى إبراز مفاتنها أمام خطيبها الذى تربطها به علاقة حب جارف، وتستمتع بالفرجة على أجساد النساء فى «حمام السباحة» لتشبع نهمها إلى أن ترى المفاتن عارية، وكأنها تفعل بهن ما تعجز أو لا تريد هى أن تفعله بنفسها، كنوع من التعويض النفسى الواضح. وهذا لا ينم عن اضطراب أو انحراف جنسى، بل هو توق المرأة الطبيعى وولعها بأن تتنعم برؤية جسدها جذاباً.
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)
نقلاً عن "الوطن"