توقيت القاهرة المحلي 16:01:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسرح الجرن ومحاربة الإرهاب

  مصر اليوم -

مسرح الجرن ومحاربة الإرهاب

عمار علي حسن

قبل ثورة يناير ذهبت إلى قرية «الشواشنة» بالفيوم، حيث رافقت فريقاً فنياً وثقافياً من «الهيئة العامة لقصور الثقافة» يأخذ على عاتقه تطبيق تجربة رائدة ومفيدة تسمى «مسرح الجرن» ترمى إلى استنهاض القدرات الإبداعية المطمورة عند أطفال المدارس فى عدة قرى مصرية، وتربط النشء بأصولهم وجذورهم الكامنة فى موروثهم الشعبى الثرى، والذى كاد أن يصدأ بفعل بعض الفنون التى تنتجها النخبة، والتى تسيطر على أغلبها السطحية، وتمتلئ رؤوس مبدعيها بمغازلة شعوب ما وراء البحار. ورأيت هناك أطفالاً مبدعين فى شتى الفنون، يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم ليفيضوا بما لديهم ويضيفوا جديداً إلى نهر إبداع أمة عظيمة خالدة، لم ينقصها أبداً الرجال فى أى لحظة من تاريخها، إنما عازتها كثيراً الإدارة الرشيدة النزيهة التى تعرف قيمتها وقامتها. وهمست وقتها فى أذن أحد الفنانين الموظفين فى الهيئة قائلاً: طالما سميت مؤسستكم «هيئة قبور الثقافة» وأنا أتابع استدراجها الرخيص إلى حظيرة فاروق حسنى، الذى آلى على نفسه أن يدجن كل أصحاب الأقلام ليتفانوا فى خدمة النظام الذى يمثله، لكننى اليوم مدين لك باعتذار مؤقت، وأنا أرى الهيئة تعود إلى وظيفتها الأساسية، وسيكون اعتذاراً دائماً إن اكتمل المشروع وامتد إلى ألف قرية. إن هذا المشروع الذى وضع لبنته الأساسية المخرج القدير أحمد إسماعيل يرسم ملامح خصوصية مصر فى الثقافة والفنون، ويتوسل بالمسرح، أبوالفنون، لأداء هذه المهمة الحيوية، ويعيد الريف إلى بؤرة الاهتمام الثقافى بعد طول نسيان، مما قد يجعله خطوة واسعة نحو التخلص التدريجى من المعادلة الجهنمية التى تجعل من القاهرة رأساً كاسحاً، ومن البقية جسداً كسيحاً. وتفرض على كل من يريد أن يتحقق أن يشد الرحال إلى العاصمة المكتظة، التى توجه إليها أغلب الاستثمارات والاهتمامات. لقد قرأت فى ميعة الصبا كتاباً عن «مسرح المقهورين» كان يتناول كيفية امتزاج المنصات العالية بالقاعات المكتظة، ليصبح الجمهور جزءاً أصيلاً من العرض المسرحى، ولا يكتفى بدور المتفرج السلبى. وما ينقص الحكم فى بلادنا أن الجمهور بعيد تماماً عن المسرحيات التى تؤلف وتعد وتخرج فى الخفاء، فينتقل الناس من محافظة إلى أخرى دون مشورة، بل حتى دون أن يعرفوا شيئاً عن هذا القرار أو يستعدوا له، وتُبرم الاتفاقيات التى تجور على ثروة البلاد وحق الأجيال المقبلة فيها، مثل ما جرى بالنسبة للغاز الطبيعى الذى حصل عليه العدو الصهيونى برخص التراب، دون أن يفكر أحد فى فتح باب للنقاش حول الموضوع، أو إعطاء فرصة كاملة للبرلمان ومختلف القوى السياسية لتناوله وتقديم اقتراحات بشأنه. وتجربة «مسرح الجرن» ترسخ لقيم الحوار والتسامح، وتساهم على المدى الطويل فى محاربة التطرف والغلو، لأن الاكتفاء بالمعالجات الأمنية لهذه الظاهرة سينتهى حتماً إلى الفشل. فقرية الشواشنة، المشار إليها سلفاً، لصيقة بقرية «كحك» التى نشط فيها أشد التنظيمات تطرفاً فى تسعينيات القرن المنصرم وهو «الشوقيون»، وتلاميذ الإعدادية الذين انخرطوا فى جمع التراث الشعبى وتأليف المسرحيات والقصص ورسم لوحات بديعة ونحت أشكال جميلة، كانوا فى بداية المشروع ينعتون كل هذا بأنه حرام، أما اليوم فيقبلون عليه إقبال المحبين للفن والثقافة والمؤمنين بدورهما فى بناء الذات الإنسانية، وتحقيق النهضة الاجتماعية. إن هذه التجربة الواعدة تنطوى على معان وقيم أكبر بكثير من مجرد رعاية المواهب البكر فى ريف مصر العامر، أو تعزيز القوة الناعمة لبلادنا باستنهاض الطاقات الإبداعية الكامنة فى عقول المصريين وقلوبهم، إنها تقدم طريقة حقيقية للتعامل مع العديد من مشكلاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. فيا ليت وزارة الثقافة تعيد هذا المشروع لتلعب جزءاً من دورها المنتظر فى التصدى للإرهاب، فالمواجهة الأمنية فقط عابرة وقاصرة، وما لم تكن هناك معركة فكرية شاملة ضد التطرف الدينى فإن الإرهاب الذى يخرج من النوافذ سيعود إلينا من الأبواب بعد سنين ليست بالبعيدة. نقلا عن الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسرح الجرن ومحاربة الإرهاب مسرح الجرن ومحاربة الإرهاب



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon