توقيت القاهرة المحلي 11:38:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مراد وهبة

  مصر اليوم -

مراد وهبة

مصطفى الفقي

اسم بدأ يتردد على أسماع جيلنا مع نهاية ستينيات القرن الماضى، ثم بدأ ينتشر بعد ذلك مرتبطاً بذلك الفيلسوف المعاصر الذى ذاع صيته بعد البحث الشهير الذى ألقاه فى المؤتمر الدولى الفلسفى الأول حول الفلسفة الإسلامية فى نوفمبر 1979 تحت رعاية الجامعة التى يعمل مراد وهبة أستاذاً فيها، وهى «جامعة عين شمس»، وكان عنوان المؤتمر هو «الإسلام والحضارة»، ولقد انتهى ذلك الفيلسوف إلى «مفارقة ابن رشد» التى تكمن فى أن ذلك الفيلسوف المسلم العظيم فى تاريخ الحضارة العربية الإسلامية (هو ميت فى الشرق حى بالغرب) منذ أن اتهم بالكفر والزندقة، وأحرقت مؤلفاته فى «قرطبة»، ثم جرى نفيه بعيداً، ولكن فلسفته بقيت من الجذور الأولى والعمد الأساسية للتنوير الأوروبى، وقد نشرت مجلة «علمانية» كبرى- بحث «مراد وهبة» عن «ابن رشد» عام 1980 وهو العام الذى فصله فيه الرئيس الراحل «أنور السادات» من الجامعة، بدعوى أنه يفسد عقول الشباب، وظل الرجل رغم عودته بعد ذلك إلى الجامعة مهجوراً بفكره الرصين مستبعداً برؤيته العصرية لقضايا أساسية فى حياة الإنسان وأساليب الفكر ومناهج البحث على امتداد العقود الأربعة الأخيرة، وربط الكثيرون بينه وبين كلمات تثير «أرتكاريا» لدى جمهرة العامة فى العالمين العربى والإسلامى، فتعبير «العلمانية» مظلوم تماماً لدينا، كما أن الكثيرين يرون أن الحديث عن إعلاء العقل هو حديث ضد الدين والإيمان بالمعتقد الروحى، بينما الأمر ليس كذلك إطلاقاً، فالإسلام- على سبيل المثال- جعل التفكير فريضة إسلامية، ولعلنا نزهو الآن بفيلسوف عربى مسيحى من «مصر» هو «مراد وهبة» الذى يعيد الاعتبار لإشعاع قوى من الضوء توهج على يدى فيلسوف مسلم فى مسار الحضارة العربية فى «الأندلس»، وأعنى به «ابن رشد» الذى يقترن اسمه لدى دارسى الفلسفة من أجيال الشباب باسم «مراد وهبة» ذلك الرجل الثمانينى ذو العقلية اليقظة والضمير الحى والفكر المتقد، رغم كل محاولات تهميشه وتجاهل دوره واستبعاد قيمته والإقلال من مكانته إلا أنه ظل شمعة مضيئة تقف ضد الخرافة الموروثة والأفكار المعلبة فى محاولة للتجديد الفكرى، على نحو غير مسبوق، ولقد دفع الرجل الثمن غالياً فى كل مراحل حياته وها هو قد جاوز الثمانين من عمره، وبدأ يزحف نحو التسعين إلا أن الأوساط الثقافية والفكرية فى «مصر» والعالم العربى لم تعطه قدره الذى يستحق، لأن الرجل يطرح رؤى تعتمد على العقل وحده وتعمل التفكير دون غيره، ورغم كل ذلك التجاهل الرسمى لاسم «مراد وهبة» فقد ذاع صيته فى جامعات «الشرق الأوسط» و«شمال أفريقيا» و«أوروبا» وتجاوز ذلك إلى المحافل الدولية فى «الولايات المتحدة الأمريكية» و«كندا» وغيرهما من دول الغرب والشرق. ولقد ربطتنى بذلك الفيلسوف الزاهد صلة متصلة عبر السنين، وشعرت كلما التقيته فى ندوة أو محاضرة أو مناسبة ثقافية أننى أمام صرح عالٍ يقف صاحبه على منبر فكرى مرتفع يحدث الناس بلغة جديدة، ويبشر بتفسير حديث حتى إنه عرف «العلمانية» (بأنها تفكير نسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق) معتبراً أن «العلمانية» نظرية فى المعرفة ترتكز على قدرة الإنسان على الفهم والإدراك وإحداث التغيير والتطوير، مع تفسير طويل لنشأة «العلمانية» منذ اكتشاف «نظرية دوران الأرض» التى أثبتت أن الإنسان ليس هو مركز الكون، كذلك اعتبر «مراد وهبة» قضية «الأصولية» قضية العصر، لأن ما تعانيه البشرية من عنف وإرهاب هما نتيجة للعلاقة بين «الأصولية» و«الرأسمالية» الطفيلية، وما أكثر الشروحات التى قدمها ذلك الفيلسوف الرائد للفكر المصرى المعاصر، بل الفكر الإنسانى كله. ومن عجب أن رجلاً بحجم «مراد وهبة» لم يلق تكريماً لائقاً من الدولة المصرية، فلم ترشحه هيئة علمية ولا مؤسسة فكرية لجوائز الدولة العليا التى حصل عليها تلاميذ تلاميذه، وهذا عوار فى الحركة الثقافية المصرية، وعار علينا فى ذات الوقت، ولقد دعتنى منذ أيام الأستاذة الدكتورة «منى أبوسنة» أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة «عين شمس» لاحتفاء صغير «بمراد وهبة» مفكراً ومعلماً وفيلسوفاً، واحتشدت له يومها مجموعة قليلة العدد، ولكنها تضم نجوماً من كبار المفكرين والفلاسفة والشعراء والأدباء وبعض تلاميذ ذلك الرائد المستنير، ويومها تساءلت: ألا تعلو قيمة «مراد وهبة» على عشرات ممن نحتفى بهم، ونبالغ فى تكريمهم؟ وقد تذكرت المأثورة (إنه لا كرامة لنبى فى وطنه) فمدى علمى أن اسم «مراد وهبة» يلقى حفاوة وتكريماً فى أوساط دارسى الفلسفة المعاصرة فى الجامعات الغربية خلافاً لذلك التعتيم الذى عانى منه «مراد وهبة» عبر رحلة العمر، ومع ذلك تمكن بما لديه من أدوات فى التحليل ومناهج فى البحث من أن يخترق حواجز التهميش وأسفار الظلام ليصل إلى العقل البشرى الحر، وينال مكانته الرفيعة بلا جوائز كبيرة أو تكريم صاخب.. أطال الله فى عمره ليواصل عطاءه المتميز، ويبقى لى شخصياً معلماً وأخاً وصديقاً. "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مراد وهبة مراد وهبة



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon