عمار علي حسن
أرسل لى السيد الدكتور علاء الدين حسين رشدى من كلية الزراعة، جامعة دمنهور، وجهة نظر ذات اعتبار فى مواجهة «مافيا الدقيق»، ولأهمية ما تطرحه، ولحيوية المسألة التى تتصدى لها، أنشرها هنا نصاً، كما وصلتنى منه، لتعميم الفائدة أمام الناس، ولفت انتباه المسئولين إلى مسار يمكن أن يسلكوه فى سبيل التغلب على هذه المشكلة التى تمس كل مصرى ومصرية:
«أرسل لك، أستاذى الفاضل، هذه الرسالة لما علمت من رغبتك الصادقة فى أن ترى مصر فى مصاف الدول المحترمة. أحدثك عن مافيا (تحليل) الدقيق المدعم، وسوف أذكرها فى صورة مختصرة، بعيدة عن الكلام المطاط، فهذا الأمر معلوم ويحتاج إلى الإرادة السياسية. ليعلم الجميع أن هناك بؤراً إجرامية منتشرة على مستوى الجمهورية تعمل على إعادة تحليل الدقيق المُدعم (استخلاص 82%)، معلومة لدى المسئولين، ولكن لا يحركون ساكناً ولا أعلم لماذا؟ أهى الأيدى المرتعشة أم لغة المصالح بين الكبار؟
وتتلخص المشكلة فى أنه عند دخول أصحاب المطاحن -ولا
أعنى هنا التعميم- فى مناقصات توريد دقيق مدعم لأى من محافظات الجمهورية، فإنهم يلجأون لتلك المناطق المشبوهة لشراء دقيق 82%، بدلاً من أن يقوموا بطحن القمح فى مطحنهم، وذلك بعد إعادة تعبئته فى عبوات جديدة باسم صاحب المناقصة، وكذلك الحال بالنسبة لتوريد الدقيق المخصص لإنتاج العيش الطباقى (استخلاص 80%)، ولكن بعد أن يتم تحليل الدقيق الـ82% ليصبح مشابهاً للدقيق المطلوب.
وننتقل هنا إلى مرحلة توزيع الدقيق على المخابز، حيث يقوم صاحب المناقصة بتوريد جزء من يوميات الدقيق المدعم على المخابز، شريطة أن يوقع صاحب المخبز على تسلمه كامل الكمية، بحيث يأخذ صاحب المخبز نسبة نقدية عن كل شيكارة لم يتسلمها فعلياً، وبالتالى فإن صاحب المناقصة لا يقوم بالتوريد الفعلى للكمية المتفق عليها مع وزارة التموين بالمناقصة، برغم أنه يحصل على مستحقاته المالية لكامل تلك الكمية.
أما إذا كان القائم على المناقصة من أصحاب الضمير، حيث يقوم بتوريد كامل الكميات إلى المخابز، فإن أصحاب المخابز -ولا أقصد هنا التعميم أيضاً- يقومون ببيع كميات من هذا الدقيق التى تسلموها إلى السوق السوداء. إضافة إلى ما سبق، فهذه المافيا تقوم بتحليل الدقيق المدعم ليصبح مشابهاً لشكل الدقيق الفاخر (استخلاص 72%) والذى يباع فى الأسواق بالسعر الحر على هذا الأساس.
ومن هنا نستخلص أن حكومتنا الهمامة تقوم بتقديم الدعم للدقيق ذاته عدة مرات. إن مافيا تحليل الدقيق لا تقل فى خطورتها على المجتمع عن مافيا المخدرات والسلاح. إن وزراء التموين والحكومات على مر السنوات يتحدثون عن أمرين وهما: رغيف الخبز، وكيفية وصول الدعم لمستحقيه بلا أى حل جذرى للمشكلة، مثل القضاء على تلك البؤر الإجرامية التى يعلمون بوجودها، حتى استفحلت وتضخمت، فأصبح حديث هؤلاء المسئولين أقرب للحديث السوفسطائى الذى لا جدوى منه، ولا طائل، وانفصلت الحكومة عن واقع الشعب.
والحل فى ذلك بسيط، ولا يحتاج إلى المزيد من الأموال، ولكن يحتاج إلى الإرادة القوية والعمل فى صالح الوطن، ألا وهو الهجوم على تلك البؤر الإجرامية، وتصفيتها حتى نكون قد أغلقنا هذه السوق السوداء. يأتى هذا بالتوازى مع وجوب فصل الإنتاج عن التوزيع، الذى يتمثل فى تحرير سعر الدقيق بأن يشترى أصحاب المخابز الدقيق (استخلاص 82%) بالسعر الحر، ومن أى مكان، وأن تقوم وزارة التموين بدفع الدعم للمخابز تبعاً لعدد أرغفة الخبز الذى ينتجه كل مخبز، وتتولى هى توزيعه على المواطنين. إن ما سبق هو جانب بسيط من المشاكل التى تواجه الدولة فى خطتها للاكتفاء الذاتى، وكيفية حلها إذا توافرت الإرادة والعزيمة على تحقيقها».. انتهت رسالة د. علاء، وأتمنى من السيدين وزيرى التموين والداخلية أن يلتفتا إلى ما ورد هنا، لعل الله يوفقهما إلى حل ناجع لهذه المشكلة.
"الوطن"