مصطفي الفقي
تعرفه الدنيا باعتباره فناناً عالمياً من «مصر»، ولا ينسى جيلنا «لورانس أوف أرابيا» و«دكتور زيفاغو» وغيرهما من الروائع التى ارتبطت باسم ذلك الممثل الفريد من نوعه فى تاريخ السينما العربية والعالمية، والكثيرون لا يعرفون عنه ما عرفته عن قرب عندما دعانى صديقنا المشترك كبير الأثريين د. زاهى حواس لحضور عيد ميلاد عمر الشريف، الذى أقامه فى فيلا ابنه فى مرتفعات القطامية، وكان ذلك منذ عدة سنوات بحضور كوكبة من الفنانين والمثقفين والأصدقاء، وفوجئت بعمر الشريف يقلد الإمام الراحل الشيخ الشعراوى فى أحاديثه بحب عميق وانجذاب شديد، وقال لنا يومها إنه عندما يكون للشيخ الشعراوى حديث فى التليفزيون فإنه- أى عمر الشريف- يترك كل شىء ويقترب من الشاشة ليعد على الشيخ نبراته وسكناته فى تعلق واضح، وبهرنى ذلك الأمر كثيراً يومها ثم دار حديث عن صديق عمره ورفيق مهنته الفنية يوسف شاهين، حيث تضرب العلاقة بينهما بجذورها إلى النصف الأول من خمسينيات القرن الماضى عندما كان كل منهما فى مقتبل العمر يسعيان نحو مستقبل واعد، أحدهما فى الإخراج والثانى فى التمثيل، ولقد اخترق يوسف شاهين أيضاً حاجز العالمية حتى حصل على السعفة الذهبية من مهرجان «كان» عن مجمل أعماله فى تاريخ السينما، بينما لقى عمر الشريف تقديراً دولياً وعربياً ومصرياً فى مناسبات كثيرة.
ومازلت أتذكر عندما زار الهند فى سبعينيات القرن الماضى من أجل عمل فنى كان يشارك فيه، واستضافه السفير على عشاء وكنت وزوجتى وأعضاء السفارة من المدعوين، وأتذكر كيف كنا مبهورين بالفنان العالمى، سواء كنا مصريين أو هنوداً، وكنا نتسابق على التقاط الصور معه، كما أتذكر أيضاً كيف جمعتنا دعوة عشاء من الناشر الكبير إبراهيم المعلم فى معرض «فرانكفورت» الدولى للكتاب منذ عدة سنوات بحضور السيد عمرو موسى والوزير فاروق حسنى، ويومها حكى عمر الشريف بعضاً من ذكرياته ونوادر حياته، كما تحدث عن صدامه مع العصر الناصرى، وكيف جرى احتجازه فى مصر شهرين دون الحصول على تأشيرة خروج عقاباً له على رفضه التعاون مع بعض الأجهزة المصرية، ثم تحدث عن أول زيارة لمصر بعد غياب سنين طويلة إثر مكالمة لطيفة من الرئيس الراحل السادات يدعوه فيها إلى الحضور والمشاركة فى احتفال توقيع «اتفاقية السلام» بالعاصمة الأمريكية، وليس من شك فى أننا تجمّلنا كثيراً بأسماء مصرية تحولت إلى نجوم عالمية رصَّعت سماء الدنيا وكان فى مقدمتها اسم عمر الشريف الذى مازال حتى اليوم يحترم ذكرياته الشخصية، ولا يسمح لأحد بأن يقتحم تاريخه خصوصاً ما يتصل بزوجته المصرية السابقة تلك الفنانة العظيمة التى لا تقل قيمة واحتراماً عنه. وتربط بين عمر الشريف ود. زاهى حواس صداقة عميقة نتيجة العيش المشترك فى الولايات المتحدة الأمريكية أو اللقاءات العابرة فى العاصمة الفرنسية، ولقد حكى لى عمر الشريف لماذا درس فى «لندن» فى صباه ومطلع شبابه فقال لى إن والدته- رحمها الله- كانت تخشى عليه من السمنة وزيادة الوزن فقررت أن ترسله إلى دولة معروفة بمطبخها الفقير وطعامها المحدود النوعية قليل الدسامة فكانت «لندن» هى الاختيار الأمثل وفقاً لتلك المواصفات، ولقد أعان «عمر الشريف» فى حياته الفنية داخل «مصر» وخارجها إجادته الرفيعة للغات الأجنبية الحيوية، فضلاً عن التربية الراقية التى حظى بها فى المدارس الداخلية ذلك الفتى القادم من أصول لبنانية ومن أسرة ميسورة الحال طيبة الأصل، ولقد تعرض عمر الشريف لكثير من الدعايات المغرضة والاتهامات الظالمة نتيجة ما كان يحتمه عمله كفنان عالمى من المشاركة مع زملائه فى «هوليوود» من الجنسيات المتعددة والديانات المختلفة، وهذا أمر طبيعى، ولكننى أظن أن ولاءه لوطنه لم يتزحزح يوماً كما أنه لم يتنكر لأصدقائه فى مصر، خصوصاً الراحلين عبدالحليم حافظ، مروراً برشدى أباظة ووصولاً إلى أحمد رمزى، كما ظل عاشقاً للروح المصرية ثم عاد من المقصورة العالمية إلى السينما المصرية بعدد من الأفلام التى تتناسب مع خبرته وسنوات عمره وظهرت فيها خبرات الزمان وتجارب كل مكان وكان أبرزها «الأراجوز» و«المواطن مصرى»، وأيضاً «حسن ومرقص» مع الزعيم عادل إمام، وها هو الآن يواجه خريف العمر فى مقر إقامته الأوروبى يلتقى بأصدقائه المصريين كلما سنحت الفرصة ويتلمس أخبار الوطن مع كل قادم، يرجو للأرض الطيبة التى ترعرع فيها الاستقرار والنهوض والتقدم.
نقلا عن المصري اليوم