مصطفى الفقي
هو أول وزير مالية لمصر بعد «ثورة 25 يناير»، كان معيداً فى كلية «الاقتصاد والعلوم السياسية» وأنا طالب فيها، فهو خريج أول دفعة منها فى وقتٍ كان لدينا معيدون خمسة ـ وذلك قبل أن يتخرج «د.على الدين هلال» معيداً بعام واحد ـ أشهرهم «سيد أبوالفتوح» المعيد فى «قسم العلوم السياسية» والذى رحل عن عالمنا بعد شهور قليلة من تعيينه، و«أحمد المقدم» معيد «الاقتصاد» الذى اختار أن يعيش فى «بريطانيا» أستاذاً جامعياً ورجل أعمال فى ذات الوقت وهو الذى كان راعياً لفريق «المنتخب المصرى» منذ سنوات،
وكان المعيد الثالث هو «نادر فرجانى» من قسم «الإحصاء» والذى اختار طريقاً أكاديمياً وسياسياً وإعلامياً فى وقت واحد وكان أحد رموز المعارضة ضد نظام الرئيس الأسبق «مبارك»، ثم كان المعيد الرابع هو «مالك جبر» من قسم «العلوم السياسية» وهو الذى اختار مهنة تداول الكتب القديمة النادرة ومخطوطات التراث وعاش فى أوروبا بعد تعيينه معيداً بسنوات قليلة،
أما المعيد الخامس والأهم فهو «سمير رضوان» المعروف ببساطته الشديدة وحبه للآخرين ومساعدة من يحتاجه، وقد كان قريباً من عميدنا أستاذ «النقود والبنوك» وزير الاقتصاد الراحل فى عصر الرئيس «السادات» «د.محمد زكى شافعى»، ومازلت أتذكر أنه عندما هبطت «لندن» دبلوماسياً ودارساً فى ذات الوقت استقبلنى «سمير رضوان» بحفاوة واهتمام وهو الذى كان يدرس وقتها ويقيم فى جامعة «أكسفورد»، كما مازلت أتذكر رحلة نهرية جمعتنى أنا وزوجتى بـ «سمير رضوان» وزوجته «السويسرية» مع مجموعة من الأصدقاء المصريين الدارسين فى الجامعات البريطانية وظللنا ساعات نمخر عباب «نهر التايمز» ونتحدث فى شؤون الوطن وشؤوننا فى المملكة المتحدة وكان ذلك فى سبتمبر عام 1971 ويومها فتح لى «سمير رضوان» صدره وناقش معى خطتى لدراسة الدكتوراه وقدم لى النصح فى أكثر من مناسبة، ثم انقطعت بنا السبل لأنه برح «بريطانيا» عندما حصل على الدكتوراه وعمل خبيراً فى «منظمة العمل الدولية» فى «جنيف» ثم رئيساً لإحدى إداراتها الهامة،
وتأرجحت علاقته مع المندوبين المصريين المقيمين فى «جنيف» لدى المقر الثانى للمنظمة الدولية الأولى قرباً وبعداً حسب شخصياتهم ولكنه ظل دائماً مهموماً بوطنه معنياً بقضاياه خصوصاً فى مجالات الاقتصاد والاستثمار والعمل إلى أن جاء وقتٌ عاد فيه الطائر المهاجر إلى وطنه بعد أن أنهى وظيفته الدولية المرموقة وجاء إلى «مصر» مسهماً فى الحياة العامة والعمل الوطنى، مستقل الرأى واضح الرؤية، وذات يومٍ دعانا صديقنا وزميلنا المشترك «د.على الدين هلال» على عشاء بمنزله فى «المعادى» ليمتد بنا الحديث حول ذكريات الشباب والدراسة فى الداخل وفى الخارج،
ولقد اكتسب «سمير رضوان» قدراً لا بأس به من الشعبية أثناء وجوده وزيراً للمالية لأنه هادئ الطبع سلس الحديث ودودٌ مع الناس وكنت أتوقع له أن يصعد إلى منصب أعلى وليكن «رئاسة الوزراء» فى وقتها ولكن جاء من أطاح به وبغيره دون التدقيق فى المصالح العليا للبلاد أو محاولة تعظيم الموارد البشرية للوطن، فترك «سمير رضوان» موقعه بعد فترة قصيرة وعاد إلى استراحة المحارب متحدثاً وكاتباً ومشاركاً فيما يمكن أن يفعله من أجل «مصر» فى فترة شديدة الحساسية بالغة التعقيد، وأنا أكتب عنه الآن لا باعتباره وزيراً سابقاً أو صديقاً عزيزاً ولكننى أقدمه كنموذج للأجيال القادمة لكى تدرك معنى العودة للوطن، وأن الطير مهما هاجر من أجل العلم والعمل سيعود إلى عشه فى حضن الوطن، وأى وطن، إنه مصر أم الأوطان صانعة الحضارات.. تحية «لسمير رضوان» الاقتصادى المرموق والوطنى حتى النخاع والمصرى الأصيل.
"المصري اليوم"