توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات (26).. تراجع العاطفة وسيطرة العقل

  مصر اليوم -

اعترافات ومراجعات 26 تراجع العاطفة وسيطرة العقل

بقلم - مصطفي الفقي

كنت طفلًا شديد التأثر بما حوله وتحكمه عاطفة تلقائية تجاه أبويه، خصوصًا أن أخى الذى يكبرنى كان يدرس فى مدينة الإسكندرية عند خاله، فانفردت بصحبة أبى فى كل مكان يذهب إليه، وتعودت الاستماع إلى أحاديث الكبار بما فى ذلك تلك الحوارات الصعبة والمتخصصة فى شؤون الزراعة وبنك تسليف الفلاحين والخلافات بين العائلات، والأحداث الكبيرة مثل ثورة 1952 التى قامت وأنا بين السابعة والثامنة من العمر.

كل هذه الأمور مرت على ذاكرتى الطفولية وحفرت فيها حشدًا هائلًا من المعلومات والانطباعات والأحاسيس، فكنت طفلًا عاطفيًا متعلقًا بأسرته متفوقًا فى دراسته، ومع ذلك كنت أحب العطلات المدرسية وأشعر بالسعادة يوم الخميس لأن اليوم التالى هو يوم إجازة، عندما كانت عطلة المدارس يوما واحدا فى الأسبوع، وعندما فرضت الظروف أن أنتقل إلى مدرسة ابتدائية بعيدًا عن القرية التحقت بمدرسة (أبو عبد الله) الابتدائية فى مدينة دمنهور فى حى قريب من سوق (سيدى عمر).

غير بعيد عن المنطقة التى تربى فيها البابا تواضروس الثانى رغم أن أصوله من محافظة الدقهلية، وكنت متعلقًا بزملائى وأصدقائى نخرج سويًا فى عطلة نهاية الأسبوع ولا تخلو لقاءاتنا البريئة من تعليقات ساخرة حول بعض المدرسين مع شعور نحوهم بالامتنان والاحترام، وقد كانت تلك هى سمة العصر الذى تربينا فيه، وكنت أذهب فى العطلة الصيفية الكبيرة إلى بيت جدى الذى كانت له حديقة كبيرة وذات يوم عَبثت بإحدى الشجيرات وكانت شجرة (فلفل حار) من نوع شديد التأثير وفركت عينى تلقائيًا فكانت آلامًا مبرحة لم أشهد لها مثيلًا فى حياتى، وظللت أصرخ.

وجدتى وخالتى لا تعرفان ماذا تفعلان إلى أن هداهما الله لعمل (كمادات) سريعة دافئة على العينين، حتى بدأت أستريح بعد أصعب نصف ساعة شعرت فيها بأننى أكاد أفقد بصرى وأشعر بعذاب وحرقة فى العينين لا نظير لهما، لذلك ارتبطت عاطفتى بالأماكن والأحداث وتكونت لدى رؤية شاملة لما يدور حولى وفهم دقيق للمواقف والأشخاص.

كما تشكلت لدى ذاكرة فوتوغرافية لا يزال شريطها يعبر أمامى من حين إلى آخر، لذلك عشت سنوات الطفولة فى ظل عواطف عائلية مختلفة وتعلق شديد بالأبوين ومرافقتى الدائمة لأبى على امتداد اليوم كله خارج نطاق الدراسة، وعندما دخلت مرحلة الصبا بدأت أشعر باستقلال ذاتى يدفعنى نحو صداقات ما زلت أعتز بها لمن ظلوا أحياء من أصحابها.

ولقد اكتشفت فى سن مبكرة أن لدى نزعة تلقائية لخدمة الناس فى دائرة واسعة تشمل الأقارب والأصدقاء بل والمعارف أيضًا، حتى إن نسبة كبيرة ممن يلجأون إلىّ طلبًا لرفع ظلم أو الحصول على حق أو التيسير فى حل مشكلة لمن لا تربطنى بهم صله شخصية فما بينى وبينهم هو الهاتف وحده، إننى أقول ذلك لكى أعترف بأن جبر الخواطر كان إحدى الصفات الملازمة لى حتى اليوم، حيث أجد راحة نفسية فى قضاء حوائج الناس، وإذا كانت شهادتى عن نفسى مجروحة فإن كل من يعرفنى يؤيد ما أقول، ومنذ سنوات الصحوة المعرفية التى تعبُر عن تطور سنوات العمر فى منتصفها بدأت ألتهم الكثير من مظاهر الرشادة وتحكيم العقل.

وأرفض تلقائيًا الانسياق وراء العاطفة وحدها فأنا أتحمس لخدمة الآخرين دون المضىّ بإلحاح وراء من يتطلعون إلى الاستثناءات والحصول على غير ما يستحقون، ولقد منحنى الله قبولًا لدى معظم من أعرف من حصيلة علاقاتى المتشابكة فى الداخل والخارج، فى الوزارات ومؤسسة الرئاسة وفى مجالات الأدب والسياسة والفن، حتى أصبح لى رصيد ضخم أعتمد عليه بعد صياغته من منظور العقل قبل العاطفة؛ إذ إن صاحب الحاجة مندفع بالطبيعة منحاز لمطلبه حتى ولو كان ذلك على حساب الآخرين.

هذه سطور صادقة للصراع الخفى فى الأعماق بين العاطفة والعقل، وكلما تقدم بنا العمر انتصرنا للعقل بينما لا تختفى العاطفة تمامًا، فهى إحساس وجدانى بآلام الآخرين ومعاناة البشر مهما اختلفت الأصول والأعراق والأوطان والأديان، فكلنا فى قارب واحد إما أن نطفو جميعا وإما أن يغرق الكل!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 26 تراجع العاطفة وسيطرة العقل اعترافات ومراجعات 26 تراجع العاطفة وسيطرة العقل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon