عمار علي حسن
ثانيا: مناهج التعليم:
1 - هناك دراسات عديدة أجريت على أسباب التطرف الدينى فى المجتمع المصرى أثبتت أن خريجى الكليات العملية (التطبيقية) أكثر ميلاً للانخراط فى صفوف الجماعات الإسلامية التى تمارس السياسة من خريجى الكليات التى تدرس العلوم الإنسانية (الاجتماعية) فالأول يدرس مواد جافة، لا سيما فى كليات الطب والهندسة والعلوم والحاسب الآلى، وبالتالى يقبل أى دعوة تُوجه إليه من التيار الدينى كى يملأ خواءه الروحى أو يقتل هذا الجفاف. ومن ثم أقترح أن يتم إقرار مواد اجتماعية على الكليات العملية لا سيما الفلسفة وعلم النفس والاجتماع والاقتصاد والعلوم السياسية، فهذا سيبنى لديه عقلاً نقدياً وبالتالى لن يقبل الأفكار المتطرفة بسهولة، بل سيخضعها للمساءلة والنقد الدائم.
2 - يجب تشجيع عملية تكوين «الأسر الجامعية» التى تقوم على جذب الشباب فى سن يحتاجون فيها إلى الانتماء إلى أى مؤسسة اجتماعية، وهذه مسألة تثبتها الدراسات النفسية لا سيما فى مرحلة المراهقة وما بعدها. ويتم الحرص على أن تكون أفكار وتوجهات الأشخاص القائمين على هذه الأسر (رائد الأسرة) مدنية حديثة.
3 - يجب إعادة النظر فى «مناهج النشء» فالطفل يولد كصفحة بيضاء ونحن ننقش عليها ما نريد. وتغريب التعليم لا يفيد فى مواجهة التيار الدينى المتطرف إنما يعطيه ذريعة لخلق مناهج تعليم موازية بطريقة غير رسمية وخارج مؤسسات الدولة التعليمية. وهنا يفضل أن توضع مناهج التربية الدينية واللغة العربية من قلب الرؤى الدينية المستنيرة. وتقرر فى مختلف مراحل التعليم قصص تحض على التسامح وقبول الآخر وتقدير العلم والثقافة.
ثالثاً: دور خطبة الجمعة:
1 - هناك دراسات بينت أن خطبة الجمعة تلعب دوراً مهماً فى تشكيل المعارف والاتجاهات الدينية. لكن تحقيق هذا مشروط بضرورة أن تكون هذه الخطبة تتمتع بمصداقية، وأن يكون من يلقيها كذلك. وخطبة الجمعة الموحدة تفتقد للمصداقية، وينظر إلى من يلقيها باعتباره موظفاً لدى الدولة، يأتمر بأمرها، وينفذ ما يطلب منه. وهذا جعل كثيراً من الناس يبحثون عن الذى يعظ فيهم وهو فى نظرهم مستقل، ويعتقدون ابتداء أن هذه الاستقلالية تعنى أن خطابه أو خطبته ذات مصداقية وقيمة.
وهنا أقترح بدلاً من اختيار موضوع الخطبة أن يتم اختيار الخطباء، مع ترك الحرية لهم فى تحديد موضوع الخطبة، ويكون هؤلاء علماء أو خطباء مستنيرين، وهم موجودون، ويمكن التعاون فى هذا مع الأزهر الشريف وغيره من المؤسسات الدينية الوسطية فى إيجادهم وتوظيفهم.
2 - الاهتمام بمعاهد تخريج الدعاة من المواطنين، مع استقطاب أفضل أساتذة فى العلوم الفقهية والشرعية شريطة أن يفحص إنتاجهم العلمى جيداً قبل استقدامهم وتوظيفهم، بواسطة لجنة، بما يؤكد استنارتهم واعتدالهم.
رابعاً: الإعلام:
لم يعد الإعلام ناقل معرفة فقط بل أصبح منتج معرفة وأحداث أيضاً، وهو يلعب دوراً كبيراً فى تشكيل الرأى العام. ولمواجهة التيار الدينى المتطرف لا بد من الآتى:
1 - برنامج تليفزيونى يستقطب جمهوراً محلياً، ويكون ضيوفه من علماء الدين اللامعين المحسوبين على التيار الوسطى. ويقدمه أيضاً إعلامى له جمهوره داخل الدولة.
2 - يجب أن تصدر إحدى الهيئات الرسمية (وزارة الثقافة - الأوقاف) مجلة دينية جذابة أكثر عصرية وحداثة ومكتوبة بلغة سهلة، تستقطب الشباب.
3 - تفتح صفحات الصحف للكتاب المحسوبين على علماء الدين المستنيرين والتيار المدنى الذين لا يذهبون فى غلوهم إلى حد فصل الدين عن المجتمع، لأن هذا خرافة وخبل، ويتم التعامل مع أى انتقادات سياسية يوجهونها بصدر رحب، فهم خير عون فى المعركة ضد التطرف والتشدد الدينى.
خامساً: التنمية الاجتماعية
اعتمدت بعض الحركات والجماعات السياسية ذات الإسناد الإسلامى كثيراً على جمعيات النفع العام (العمل الخيرى) فى التمدد والاستمرار ومقاومة التضييق الأمنى والحصار والإقصاء والتهميش وتعبئة الناس لصالح تصوراتهم. وعلى الدولة أن تجد البدائل، وإن كانت موجودة، فعليها أن تقوم بتعزيزها وتنظيمها، وتشجيع «المجتمع الأهلى» على القيام بها.
سادساً: مشروع وطنى جامع
ويبنى هذا المشروع على أفكار محل اتفاق ورضا وقبول على نطاق واسع داخل الدولة، ويشارك فى إعداده علماء ومفكرون ومؤسسات دينية مستنيرة ومدنية وعلمية.
نقلاً عن جريدة " الوطن "