بقلم: مصطفي الفقي
زار مصر «بوش الأب» عندما كان نائبًا للرئيس الأمريكى «ريجان»، وأقام له الرئيس الأسبق «مبارك» حفل عشاء فى قصر القبة، وجاءت جلستى بجوار شخصية أمريكية، بدأت التعرف على صاحبها فعرفت منه أنه قاضٍ فيدرالى يمارس مهنته كمحلف، وأن وظيفته هى مرافقة نائب الرئيس فى أى مكان يذهب إليه حتى إذا ما تعرض الرئيس الأمريكى لخطر مفاجئ يحول دون ممارسة مسؤولياته، فإن نائب الرئيس يؤدى القسم أمام هذا المحلف حتى لا يكون هناك فراغ دستورى أو فترة انقطاع فى منصب الرئيس ولو لدقائق، لأنه حامل «الشفرة النووية» وصاحب القرار الأعلى فى البلاد، وقد أضاف لى ذلك المحلف الأمريكى أنهم تعلموا الدرس عند اغتيال الرئيس «جون كنيدي» فى نوفمبر 1963، فأدى نائبه «جونسون» اليمين داخل الطائرة الأمريكية أمام أحد المحلفين تفاديًا لفجوة زمنية تعيش فيها الولايات المتحدة الأمريكية بلا رئيس، وفى بلادنا كان للرئيس الراحل «عبدالناصر» عدد من رفاقه حملوا لقب نائب رئيس الجمهورية، ولكن النائب الأول كان هو المشير الراحل «عبدالحكيم عامر»،
وشهدت السنة الأخيرة فى حياة «عبدالناصر» ما تردد عن مؤامرة لاغتياله أثناء زيارته للمغرب، فاختار السيد «أنور السادات» نائبًا له يسبق السيد «حسين الشافعى»، حتى إذا ما تعرض الرئيس الراحل لمكروه، فإن «السادات» كنائب للرئيس يملأ فترة الفراغ الدستورى لحين انتخاب الرئيس الجديد، ومضت القاعدة بأن نائب الرئيس يصبح دائمًا هو الرئيس القادم، فـ«السادات» خلف «عبدالناصر»، و«مبارك» خلف «السادات»، وأصبح منصب نائب الرئيس فى مصر شبيهًا بمنصب (ولى العهد) فى النظام الملكى باعتباره الرئيس القادم، وهو أمر لا يتماشى بالضرورة مع التقاليد الديمقراطية الصحيحة، إذ إن كل رئيس هو الذى يختار نائبه الذى قد يصبح خليفته.
.. وفى رأيى أن الأمر يحتاج إلى مناقشة جادة، خصوصًا فى ظل جلسات الاستماع البرلمانية حول التعديلات الدستورية فى بلادنا كجزء من الإصلاح السياسى تمهيدًا لمستقبل أفضل، ولنا الملاحظات الآتية:
أولًا: ضرورة الفصل بين منصب نائب الرئيس ومنصب الرئيس القادم، بحيث لا يتوهم الناس أن نائب الرئيس هو المستقبل وتدور حوله حالة من الاستقطاب الذى يؤدى إلى ازدواجية فى الولاء وتوتر فى قمة السلطة، ولذلك فإننى أدعو مخلصًا إلى أن ينص الدستور الجديد على أن نائب الرئيس منصب مستقل بذاته، تنتهى مدته فى حينها ولا يحق لصاحبه الترشح فى نهاية فترة وجوده، بل لابد أن يترك منصبه لفترة رئاسية كاملة حتى يحق له الترشح بعد ذلك، وهذه ليست ملاحظة تحكمية أو شكلية، بل إننى أراها ضرورية ولازمة لاستقرار الحياة السياسية وتفرغ الرئيس لإدارة البلاد وقيادة الأمة، بينما يتفرغ نائب الرئيس - حسب تخصصه - للمهام الداخلية اليومية ويحمل عبئًا عن رئيس الجمهورية حتى تمضى المنظومة متوازنة دون حساسيات أو منغصات، لذلك فإن فك الاشتباك بين منصب نائب الرئيس ومنصب الرئيس القادم هو ضرورة يجب أن ينص عليها الدستور إذا ما اقتنع واضعوه بهذا التفسير.
ثانيًا: انتهت العلاقة بين الصديقين «عبدالناصر» و«عامر» نهاية مأساوية، وحدثت مواجهة بين أنصارهما فى أعقاب نكسة عام 1967، بينما مضت فترة العلاقة بين «السادات» و«مبارك» بلا مشكلات كبيرة، ولكن هناك من يرى أن «السادات» كان يفكر فى نائب آخر، ويطرحون اسم الراحل «منصور حسن» فى ذلك الوقت، أما الرئيس «مبارك» ففى ظنى أنه كان يفكر جديًا فى فترة رئاسته الأولى فى اختيار نائب للرئيس وكان المشير الراحل «محمد عبدالحليم أبوغزالة» هو أقرب المرشحين إلى عقل الرئيس، ولكن الظروف تغيرت وبدا المشير وكأنه مرشح مفضل للولايات المتحدة الأمريكية والتيار الإسلامى أيضًا، وقد لا يكون ذلك صحيحًا، ولكن ذلك ما بدا لبعض المحللين السياسيين وقتها، كذلك فإن ازدياد شعبية «أبوغزالة» بين صفوف الجيش لم يكن أمرًا مريحًا، وهو نفس ما تعرض له المشير «عامر» فى رئاسة الرئيس «عبدالناصر».
ومازلت أتذكر كيف أن المشير «طنطاوى» كان يعزف عن الأضواء ولا يسعى إلى الشعبية على امتداد عشرين عامًا كقائد عام للقوات المسلحة، فقد أدرك الرجل المعادلة ووعى الدرس وتفرغ لمهامه العسكرية وحدها.
إن منصب نائب الرئيس ضرورة، فالنظام الأمريكى يجعله رئيسًا لمجلس الشيوخ فى ذات الوقت، ولأننا نريده فى مصر متفرغًا لمهامه غير متطلع لأحلام المستقبل، فإننا نجعل ذلك المنصب بعيدًا عن التيارات والأهواء، يعمل لخدمة الوطن ومعاونة الرئيس وتسيير أمور الدولة من خلال رئيس الوزراء، قابلًا لوجود أكثر من نائب إذا اقتضت الضرورة.. هذه رؤيتى لهذا المنصب المهم فى مستقبل البلاد.