عمار علي حسن
من أسف فإن نظامنا التعليمى فى بلادنا ينتمى إلى طريقة متخلفة تعتمد على الحفظ والتلقين، وتوصد الباب أمام الابتكار وإنتاج الجديد والملائم، الأمر الذى حوّل مدارسنا إلى ما يشبه «الكتاتيب» وحوّل جامعاتنا إلى مدارس أولية، فضعُف مستوى الخريجين، وتضاءلت قدرتهم على أن يحوزوا منهج تفكير مناسباً فى حل مشكلاتهم الحياتية، علاوة على عدم ملاءمة الأغلبية منهم لسوق العمل، لأن الجهات التعليمية التى مروا بها، ثم لفظتهم إلى الشارع، لم تُعنَ بالتدريب، قدر عنايتها بالتدجين، وتعمدها سلب التلميذ فى البداية والطالب فى النهاية أى قدرة على التفكير المستقل، وأى منطق لبناء موقف من المجتمع والعالم، بل والكون الفسيح.
وأضر هذا الوضع ضرراً بالغاً بالبحث العلمى، فبات يدور فى أغلبه حول «جمع المتفرق» أو «اختصار المسهب» و«تطويل المختصر»، ولم يرق إلى المستوى المناسب فى تأدية وظائف البحث الأخرى ومنها «تجلية الغامض» و«استكمال الناقص»، ولا تلوح فى الأفق أى بوادر على أنه سيصل عند أغلبية باحثينا إلى المرتبة الأسمى فى البحث والتدقيق وهى «نقد السائد» و«ابتكار الجديد»، وهما مرحلتان مهمتان ليس بالنسبة للعلم ومناهجه فحسب، بل أيضاً بالنسبة للحياة العملية، بمختلف اتجاهاتها ومناحيها.
وللأمية الأبجدية والثقافية أثر ضار على السلوك الاجتماعى، فالدراسات الاجتماعية تبين أن أغلب المنحرفين والجانحين من الأميين، والدراسات السياسية تظهر أن الأمية بألوانها كافة تؤدى إلى تراجع مستوى الانخراط والمشاركة السياسية. كما أن دراسات التنمية تبين أن تراجع المستوى المعرفى للعامل والفلاح والموظف يؤثر سلباً على معدلات النمو، من منطلق الدور الرئيسى الذى يلعبه العنصر البشرى فى التقدم الاقتصادى والرفاه الاجتماعى.
إن تشخيص الأمية ليس صعباً، لكن الصعوبة تكمن فى تطبيق الاقتراحات والدراسات التى بحثت عن سبل لإيجاد «مجتمع بلا أمية». وأتصور أن المسألة تحتاج إلى إرادة صارمة من الدولة، لتطبيق إجراءات محددة ونزيهة وشفافة فى هذا المضمار، وتخصيص الأموال اللازمة لذلك، تعين على تقديم مكافآت تشجيعية لمن يسعى إلى محو أميته. ويمكن وضع شروط أمام المتخرجين فى المدارس والجامعات بأن يقدم كل منهم عدداً محدداً ممن أسهم هو فى محو أميتهم قبل اعتماد درجته العلمية، وذلك على غرار التجربة الكوبية. ويجب أن يكون الحصول على شهادة محو الأمية شرطاً أساسياً فى تولى الوظائف والسفر للعمل بالخارج وأداء فريضة الحج، ويجب أن يسهم الجيش والشرطة والمؤسسات الدينية فى هذه المسألة.
ويمكن أن نستلهم فى هذا طريقة «التعليم التكاملى المستمر» التى وضعتها اليابانية يوشيكو نومورا، قاصدة بها التحول من التعليم المبنى على المعرفة إلى التعليم الذى يؤسس على الحكمة، والتحول من التعليم الذى يركز على المعرفة العقلية إلى تعليم شامل للشخصية ككل، والتحول من تعليم الثقافة التقليدية لخلق ثقافة جديدة، والتحول من التعليم المرتبط بسنوات المدارس إلى تعليم متكامل مستمر على مدار العمر. وتؤمن هذه النظرية بأن كل شىء فى الحياة هو مادة للتعليم الذاتى وأن تعليم الطفل يجب أن يصاحبه تعليم الوالدين والمدرس أيضاً.
نقلاً عن جريدة "الوطن"