توقيت القاهرة المحلي 08:32:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تشريح الأسرة الإخوانية (2 - 3)

  مصر اليوم -

تشريح الأسرة الإخوانية 2  3

عمار علي حسن

يتخالط لدى الإخوان ما ترتبه مدرستان من ضمن مدارس أو نظريات واقترابات علمية عدة فى تفسير سيكولوجية الجماعات وهما «الحتمية البيولوجية» و«الحتمية الثقافية»، حيث ترى الأولى أن الجينات تلعب دوراً مهماً فى تحديد شخصية الجماعة وتعيين سلوكها بانتقال الصفات الوراثية عبر الأجيال عن طريق الأحماض النووية. وقد استخدمت بعض المذاهب السياسية اليمينية المتطرفة هذه النظرية فى تجديد شبابها، واتخذت منها عقيدة لها تفسر وتبرر من خلال مقولاتها وتصوراتها وكل ما يبدر عنها من سياسات وما تتخذه من قرارات، وتعزى الفروق فى السلطة والثروة إلى فروق فى القدرات الوراثية للأفراد والجماعات العرقية، وهذا أمر لا يمكن تغييره، ومن ثم لا بد من التسليم بحتميته والتعامل معه باعتباره أمراً واقعاً لا مفر منه. أما الثانية فتدحض هذا تماماً وتؤكد أن الأفراد مجرد مرايا للظروف الاجتماعية التى يعيشونها، والمصادر الثقافية التى يتعرضون لها، وأن الخبرات الحسية التى يمر بها الإنسان، من استجابات وثواب وعقاب تؤثر فيه، وهو يولد صفحة بيضاء، وتبدأ البيئة فى كتابة ما تريد عليها، عن طريق الذين يقتربون منه ويؤثرون فيه مباشرة مثل الوالدين والمدرسين وجماعات الرفاق.. إلخ. وقد شمل كتاب ستيفن روز «علم الأحياء والأيديولوجيا والطبيعة البشرية» مزيداً من التحليل والتفصيل حول هاتين النظريتين، الذى لا يبدو أن أياً منهما تتسم بصلاحية أو صواب مطلق، بل إن تضافرهما أو تكاملهما يمكن أن يقربنا أكثر من تفسير سلوك الأفراد والجماعات، وهذا ما يمكن أن نستخدمه فى محاولة الاقتراب النسبى من تحليل الأسرة الإخوانية، رغم أنها لا تنتمى إلى عرق محدد، لكن الزواج المتبادل والمصاهرة المغلقة قد تجعلها بمرور الوقت مهيأة لإنجاب إخوان جدد حملوا الصفات الوراثية للوالدين، لكن هذا لا يدل طيلة الوقت على أن الأبناء قد تطبعوا بما عليه الآباء، بدليل أن بعض المنحدرين من صلب قيادات إخوانية تمردوا على الجماعة. ولا أعتقد أن ذلك يمكن أن يؤدى، مهما طال الزمن، إلى التعامل مع الأسرة الإخوانية، وكأنها جماعة عرقية، أو ينطبق عليها ما ينطبق على مثل هذه الجماعة من سمات وراثية، وإن كانت السمات الاجتماعية لأتباع العرق الواحد القاطنين فى منطقة جغرافية واحدة يمكن أن تتشابه فى جوانب منها مع ما يتم داخل جماعة الإخوان وتنظيمها. فهناك أدلة دامغة على قيام الجماعة بـ«تنميط» أعضائها، بما يجعلهم وكأنهم، فى نظرتهم إلى الذات والمجتمع، شخصاً واحداً مكرراً مئات الآلاف، وذلك عبر مناهج تعليمية داخلية مناسبة لمستويات محب ومؤيد ومنتسب وعامل ولمختلف الأعمار، يتم تدريسها بانتظام، وهى قابلة للاستبعاد والإضافة وفق الظروف، وهى تتدرج حسب موقع الفرد داخل الجماعة، فالنقباء يتلقون دورات خاصة حتى يتمكنوا من الوعظ فى أفراد «الخلية» وإرشادهم، وما يعطى لـ«إخوان الصف» وهم الأعضاء العاملون يختلف عما يعطى لـ«الربط العام» وهم المتعاطفون مع الجماعة، و«الربط الخاص» وهم من على وشك الانضمام إليها، وهذا كله يعطى هؤلاء قدرة ما على مخاطبة «الانتشار» وهو الفضاء الاجتماعى الأوسع الذى تستهدف الجماعة التجنيد منه أو كسب تعاطفه أو تحييده على قدر المستطاع. كما تحرص جماعة الإخوان على إدماج العضو العامل بها فى «الأسرة الإخوانية الممتدة» من خلال علاقة المصاهرة تارة ومصادر كسب الرزق تارة أخرى، علاوة على برامج التثقيف الأحادية التى تستقر فى ذهنه وتربطه أكثر، معرفياً ووجدانياً، بـ«إخوانه». ونظراً لشعور الجماعة الدائم بالخطر الذى يتهددها فقد عملت بصرامة على أن تلف حبالاً غليظة على أى شخص ينتمى إليها، ويحوز أسرارها ويعرف طرائق عيشها وتحركاتها، حتى لا ينفلت عنها ويعطى ما عرفه أو حصله لمن تطلق عليهم أعداءها. ولهذا تحمل مكاتب الجماعة فى مختلف أنحاء البلاد قوائم بشباب وفتيات من المقبلين على سن الزواج، وترشح بعضهم لبعضهن، من منطلق إدراكها أن الأفضل أن يتزوج الإخوانى إخوانية، حرصاً على أسرار التنظيم، وعلى جلَد الزوجة حين يغادرها زوجها إلى السجن، ويترك لها مسئولية تربية الأولاد، وحفظ عرضه، ورد غيبته، وإن لم يكن له مصدر رزق ثابت فالجماعة تتكفل بأسرته تلك. وقد كشف القيادى الإخوانى، صبحى صالح، عن هذا ذات مرة حين اعتبر أن زواج الإخوانى من خارج الإخوان يؤخر نصر الجماعة، قائلاً: «كل هذه الأخطاء فى التربية تؤخر النصر، ورب العزة رب قوانين، إن تنصروا الله ينصركم»، ثم وصل به الأمر إلى توظيف الآية القرآنية «أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير» فى غير موضعها، راسماً بذلك ملامح عنصرية طافحة، وشعوراً زائفاً بأن الإخوان أرقى من غيرهم. وكثير من الأعضاء الذين فكروا فى الإقدام على الخروج عن الجماعة استُخدمت أسرهم فى الضغط عليهم؛ الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها، والأم والأب على الأبناء وهكذا. وقد أفلحت هذه الطريقة فى إجبار البعض على أن يستمر ضمن صفوف الجماعة، وأن يكبت مشاعره ويخفى تذمره حتى لا يهدم أسرته أو يظهر بمظهر من يعصى أهله الأقربين. (ونكمل غداً إن شاء الله تعالى) نقلاً عن جريدة "الوطن" .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تشريح الأسرة الإخوانية 2  3 تشريح الأسرة الإخوانية 2  3



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon