توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثلاثية سعد القرش (2-2)

  مصر اليوم -

ثلاثية سعد القرش 22

مصر اليوم

تحفل الثلاثية الروائية لسعد القرش «أول النهار» و«ليل أوزير» و«وشم وحيد» بعدة سمات يمكن ذكرها على النحو التالى: 1- المتصل المنفصل: حيث اتبع القرش تقنية جديدة فى ثلاثيته تلك، إذ يمكن قراءة كل جزء منها على أنه وحدة عضوية متماسكة ومتكاملة أو رواية فى حد ذاتها، لا سيما أن كلاً منها تأخذ عنواناً خاصاً، وإن كانت الأولى والثانية بينهما اتصال فى العنوان معطوفاً على تعاقب «النهار» و«ليل» ورمزيتهما هنا، فإن الثالثة بعيدة عن هذا تماماً، إذ لا علاقة بين «الوشم» و«وحيد» بعنوانى الجزئين الأول والثانى. وحتى يُحكم هذا الانفصال اتبع القرش طريقة «الفلاش باك» ليعطى كل جزء عمقاً تاريخياً يستدعيه الأبطال فى التذكر أو الحوار أو يطلقه الراوى العليم فى فضاء النص، مختزلاً تفاصيل غزيرة فى عبارات مكثفة مشحونة بالدلالات والحمولات الآتية من رحم ما مضى. وعلى النقيض إن اتخذنا أسرة عمران الممتدة مدخلاً للتعامل مع هذه الثلاثية سنجد بينها اتصالاً ظاهراً. وتنعكس هذه التقنية على الوحدات الأصغر التى تشكل كل جزء على حدة، والتى تسلسلت فى أرقام متتابعة، ففى بعض المواضع يبدأ الجزء وكأنه وحدة قائمة بذاتها، لكن بمضىّ السرد إلى الأمام يتصل تدريجياً هذا الجزء بما سبقه ويفتح باباً لما يأتى بعده. 2- العالم الموازى: فالقرش يختلق من الصفر عالماً موازياً ويبنيه فى رويّة، من حيث الأشخاص والبيئة والعلاقات الإنسانية، وهى طريقة رأيناها مع «ملحمة الحرافيش» لنجيب محفوظ و«أرض النفاق» ليوسف السباعى و«الخالدية» لمحمد البساطى و«مخلفات الزوابع الأخيرة» لجمال ناجى وغيرها. لكن هذا الاختلاق لا ينبنى على خيال محض، فنجد أنفسنا أمام عالم يحلق فى الفراغ، بل يقوم على استعادة واقع لم يعايشه المؤلف بالطبع، لكنه قرأ عنه فى أضابير كتب التاريخ، الأمر الذى دفعه إلى أن يقر بالعرفان فى نهاية الرواية للمؤرخ الشهير الجبرتى وكذلك ساويرس بن المقفع، ومعهما بعض المؤرخين المعاصرين، فهؤلاء أمدوه بالخيط التاريخى الذى تسرى فيه أحداث الرواية، وكذلك بالسياق الاجتماعى الذى جعل المؤلف ملماً بظروف حياة الناس فى عصر المماليك وما تلاه، لهجاتهم وطرائق عيشهم وحدود عالمهم، وفعل هذا باقتدار سواء حين بدأ بعالم الريف الغض على ضفاف النيل، أو فى الصحراء وقت حفر قناة السويس، أو فى قلب القاهرة حين جاء البطل هارباً من ملاحقة جنود الخديوى وعسسه. 3- الماضى للحاضر: فالقرش فى جانب من سرده، لا يقصد التاريخ لذاته، فيجعلنا نعيش فى حكاية قديمة لا نرى لها صدى أو تجليات أو تمثلات فى حياتنا الآنية، بل يوظف التاريخ فى خدمة الحاضر، أو هكذا يستلهم القارئ أو الناقد، الذى بوسعه أن يتعامل مع التاريخى على أنه قناع للحديث عن الحاضر، من باب الرمز أو التحايل أو عدم تجنب الوقوع فى التوظيف السياسى المباشر والفج. وهذا الاتصال التاريخى يرتبط بوعى الكاتب الحالى من جهة وما حصّله عن الماضى من جهة ثانية، ورغم أن الكاتب يتحدث عن بقعة جغرافية ووحدة اجتماعية متخيلة، تحضر مصر السياسية والاجتماعية كاملة فى الرواية، فنجدها فى أساليب أجهزة الأمن، وطرق الزراعة، ونظم التملك، وسلوك الفلاحين، والتقويم القبطى، وألوان الحكم، وأسماء بعض الحكام، والكفاح ضد الاحتلال الفرنسى، وعلاقة المسلمين والمسيحيين. 4- المزاوجة بين الشفاهى والكتابى، فلغة الحكى فى هذه الثلاثية حاضرة بقوة، لا سيما فى الحوار «الديالوج»، حيث نجد الأساليب واللهجات المتداولة فى الحياة اليومية، والتى تؤدى وظائف مختلفة كالعظة، عبر الحكم والأمثال، والسباب، والتعبير عن الأفراح والأتراح، والتفاؤل والتشاؤم. بل إن المؤلف نجح فى مواضع عدة بالرواية أن ينحت كلمات خاصة به، أو يستعيد أخرى مهملة فى بطون القواميس ويعيد توظيفها بانسياب، فلا تشكل نتوءات داخل النص، ولا تبدو غريبة لمن يطالعها ضمن سياقها. 5- استعمال التوالد الحكائى: فالراوى يأخذنا أحياناً فى دهاليز جانبية تنبت من الحكاية المركزية، كى يعزز مسار السرد أو يشبعه أو يرممه، ثم يعود إلى المجرى الرئيسى متقدماً فى خط مستقيم، منحازاً إلى حبكة روائية معتادة، لا سيما أنه يتتبع تاريخاً لا يعود إلى الخلف، إنما يسير إلى الأمام. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثلاثية سعد القرش 22 ثلاثية سعد القرش 22



GMT 19:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الموازنة والـمئة دولار !

GMT 09:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 08:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 08:24 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 08:21 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 08:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

جرعة تفاؤل!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon