توقيت القاهرة المحلي 10:14:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثلاثية سعد القرش (1 - 2)

  مصر اليوم -

ثلاثية سعد القرش 1  2

مصر اليوم

  ينسج الروائى سعد القرش خيوط أعماله السردية على مهل، وبلا ضجيج، فتستوى على سوقها عفية لافتة، لكن تبقى أكثرها قوة من حيث المعمار الروائى والتخييل واللغة الشاعرية المقتصدة التى تؤدى الوظيفة بلا إسهاب ممل ولا إيجاز مخل، هى ثلاثيته المراوحة بين التاريخى والفانتازيا، التى وسمها تباعاً بـ«أول النهار» و«ليل أوزير» و«وشم وحيد»، وهى تغطى حكاية قرية مصرية متخيلة منذ القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر، تعلو على كونها مجرد قطعة من الريف المصرى الذى سجلته الجغرافيا ورصده التاريخ وصوره علم العمران، إلى كونها دويلة أو «وحدة اجتماعية». لكن القرش يتجاوز الرؤية التقليدية التى تطرح «عمدة القرية» معادلاً لـ«رئيس الدولة» و«الخفراء» كتعبير عن «جهاز الشرطة» وهكذا، ويجعل القارئ ينغمس فى ثنايا العمل متجرداً من هذه الحمولات المستهلكة وتلك المضاهاة المعهودة، ويعيش عالماً موزعاً بين سحر الخيال وصدمة الواقع، يملأه البطل المستمر «سيد أوزير» والمتحلقون حوله «الأهالى»، وبينهم وبينه مسافات متدرجة من الأحلام والأطماع والنزوات. فى «أول النهار» يرسم ملامح تلك القرية التى أعاد الجد «عمران» بناءها بعد أن جرفها الفيضان، ويعرض فى انسياب تاريخ بعض المنسيين والمنفيين فى الشوارع الخلفية، وهم يقاومون بطش الحاكم وتوحش الطبيعة، متوسلين بالثقافة الشعبية تارة، وبالفهم الإيجابى للدين الذى يحوله إلى طاقة إيجابية ترفض الخنوع وتمنح الأمل طوراً. وفى «ليل أوزير» ينحرف حكم هذه الوحدة الاجتماعية من العدل إلى الظلم، ومن القسط إلى الجور، وهو ما تبينه عبارة جاءت على لسان منصور الذى اغتصب السلطة وهمش دور حفيد عمران، وكان ينصح ابنه خليفة قبيل وفاته قائلا له: «لو مت رد للناس حقوقهم قبل إعلان وفاتى، حتى لا يفترسوك، اعتذر عنى، اطلب السماح، فيحسوا أنهم فى عهد جديد، فيحبوك ويجتمعوا حولك، وينسوا بدايتك الشؤم». فبيت عمران الذى كان ملاذا للعبيد والفلاحين الهاربين من بطش أسيادهم، أخذ فى التداعى، بقوة الانحراف عن طريق المؤسس، وسواد النبوءة التى توقعت أن تقع أسرته فى حبائل كارثة كل نصف قرن، فجاء الفيضان ثم الطاعون فالحريق وبعده تفرُّق الشمل والتيه. أما فى «وشم وحيد» فنحن أمام بطل مجروح بعبء الماضى وفداحة الحاضر معاً، حيث قُتل أبوه فى حفر قناة السويس مع مائة ألف مصرى استشهدوا ليفتحوا باباً للتجارة وأساطيل الاستعمار ثم يتركوا ريعاً لأحفادهم. لكن الابن لم يعرف من قتل أباه، ولا أين طمروا جثته بين كثبان التراب والرمل، فقرر أن يقتل الخديو نفسه، ثم يعود بالجثة، بعد أن يجدها إلى أرض الأجداد «أوزير»، لكنه يفشل ويضيع فى دروب الحياة القاسية. وقراءة هذا العمل الملحمى يمكن أن تذهب بنا نحو الغرق فى التفاصيل الدقيقة والاستشهادات المتوالية، سواء التى تستعرض الحكاية المركزية أو الحكايات الفرعية وأقدار الأبطال وتحولاتهم واللوحات الخلفية واللغة المستعملة فى شاعريتها وتقريريتها، لكننى هنا سأنظر إليه كبنية متكاملة مركزاً على السمات الشكلية والمضمونية الأساسية له، لا سيما أنه يختلف، مساحة وعمقاً، عن الأعمال السابقة للقرش، وهى روايتا «حديث الجنود» و«باب السفينة»، ومجموعتاه القصصيتان «مرافئ للرحيل» و«شجرة الخلد». وفى مقال الغد إن شاء الله تعالى سأذكر هذه السمات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثلاثية سعد القرش 1  2 ثلاثية سعد القرش 1  2



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon