عمار علي حسن
يعتقد كثيرون أن صعود الإخوان إلى السلطة فى مصر كان مفاجأة، رغم أن كتابات عدة كان تقول منذ سنين إن ما تفعله الأنظمة العربية القمعية سيجعل «التيار الإسلامى» هو البديل الذى يحل محلها من المحيط إلى الخليج. وقد كتبت هذا فى ثنايا كتابى «أمة فى أزمة: أمراض العرب السياسية فى الفكر والحركة» الذى رأى النور سنة 2006، بل كتبت غير مرة منذ سنين فى مقالات وكُتب أن الإخوان لا يريدون إدخال تغيير جذرى ولا إصلاح شامل على نظام مبارك، إنما يسعون إلى وراثته كما هو ثم يديرونه لحسابهم الخاص.
وكنت قبل أيام أقلب صفحات الكتاب المشار إليه سلفاً، فوجدت مقالاً مطولاً عنوانه «الإسلاميون العرب: مشروع بديل أم كارثة جديدة» كنت قد كتبته فى عام 2005، حمل نبوءة لما يجرى الآن، وقد نشر خارج مصر وأعيد نشره باللغة الإنجليزية فى «الأهرام ويكلى»، فوجدت من المناسب أو الضرورى أن أعيد نشره، ليطلع عليه قراء جدد، ربما يجدوا فيه إجابة على ما يحدث وما يجرى. وها هو المقال: «عاشت الجماعات والتنظيمات السياسية ذات الإسناد الإسلامى فى العالم العربى حيناً من الزمن تنتظر أن تنفتح أمامها النوافذ والأبواب على مصراعيها فى سبيل أن تنفرد بسدة الحكم، أو بجزء منها، أو على الأقل تمارس عملها فى مأمن من الملاحقات والمطاردات والتهميش المتعمد، الذى طالها فى العقود التى خلت.
وظل أصحاب هذا اللون من التفكير والممارسة السياسية يعتقدون أنهم أحق بالقيادة من كل المنتمين إلى تيارات سياسية وفكرية ماج بها العالم العربى على مدار قرن كامل، تمكنت فيه من أن تسيطر على مقاليد الأمور، سواء بتولى الحكم أو بامتلاك نفوذ اجتماعى كاسح. لكن هذه التيارات لم تلبث أن فترت همتها وضعفت شوكتها وران عليها الجمود، وأفلست فى أن تقدم مشروعات نهضوية قادرة على أن تقود العرب إلى نجاح متصل، بعد أن وقع أغلبها فى فخ الأيديولوجيات المنفصلة عن الواقع، أو صار معلقاً بإرادة حكام مستبدين، وجماعات ونخب فاسدة ومتسلطة، وحلقات ضيقة من جماهير منتفعة، وليست مقتنعة.
وفى حديثهم عن دورهم القيادى الذى حان وقته يقصد الإسلاميون أن دور الليبراليين العرب قد تراجع بعد أن نالت الدول العربية استقلالها. ففى أيام المستعمر كان أغلب النخب العربية التى تقود الكفاح ضده تنتمى إلى الليبرالية فى قيمها العامة، لكنها فقدت موقعها الأمامى، بعد الاستقلال، وبروز التيار القومى، الذى غلبت عليه الأيديولوجيات ذات الطابع اليسارى. ويعجز الليبراليون العرب فى الوقت الراهن عن استعادة مكانتهم المفقودة ومجدهم الضائع، بل إن فريقاً منهم يرميه كثيرون بالخيانة، وممارسة دور «الطابور الخامس» للمشروع الأمريكى فى المنطقة، والذى يسعى إلى النيل من العروبة، مفهوماً وتاريخاً ونظاماً إقليمياً، لحساب ما يسمى «الشرق أوسطية». ومن ثم فإن مصطلح «الليبراليون الجدد» بات سيئ السمعة، وبات أصحابه مطالبين ببذل جهد فائق فى سبيل الدفاع عن سمعتهم ومسلكهم وإخلاصهم لبلادهم، قبل أن يفكروا فى تعبئة الناس حول أفكارهم وتصوراتهم، أو يسعوا إلى تجنيد أعضاء جدد فى تنظيماتهم الهشة. وفى الوقت ذاته فإن الليبراليين العرب «التقليديين» يضعفون مع مشرق كل يوم جديد، بفقد أرضيتهم الاجتماعية، وانطوائهم أكثر فى أبراجهم العاجية، والاستمرار فى طرح خطاب نخبوى، مستغلق على أفهام كثير من العوام، وغير قادر على منافسة المنتج المعرفى والممارسة الحركية لأتباع التيارين الإسلامى والقومى معاً.
كما يقصد الإسلاميون بحديثهم عن أحقيتهم بتولى دفة الأمور أن التيار القومى قد فشل، هو الآخر، فى أن يحافظ على المكتسبات المهمة التى حازها قبيل رحيل الاستعمار وبُعيد التحرر منه، ولم تنجح الأيديولوجيات التى تبناها وفى مقدمتها «الناصرية» و«البعثية» فى أن تنهض بالواقع العربى. فالأولى ترنحت بعد هزيمة 5 يونيو 1967 ثم قضى عليها بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر. أما الثانية فتعرضت لهزة عنيفة بسقوط نظام الرئيس صدام حسين على أيدى الأمريكيين فى التاسع من أبريل 2003.
(ونستكمل غداً إن شاء الله تعالى)
نقلاً عن جريدة " الوطن"