عمار علي حسن
فى المقال السابق شرحت السبب الأول لفقر الخيال عند الإخوان، وهو كراهية التنظير واحتقار العلوم الإنسانية وسطوة التنظيم، وأكمل هنا:
2- لا تعددية: فرغم تفاعل الإخوان، سلبياً أو إيجابياً، مع الأفكار والتصورات الأخرى المتداولة فى السوق الثقافية فهم يتوهمون أن فكرتهم هى الأفضل والأرقى والأصوب، وأن من الأجدى أن تُهضم فيها كل الأفكار، أو تستسلم لها، ليصير لدينا «طريق فكرى واحد». وينسحب هذا فى التعامل مع كل العلوم التى يجب أن تنضوى تحت مسار واحد باسم «إسلامية المعرفة»، التى هى فى النهاية محاولة إخضاع الآراء والإبداعات الإنسانية لرؤية فريق واحد، هى من رأسه هو ومن تأويله للنص الإسلامى أو تعاطيه معه، ثم يزعم أنها الإسلام الذى يجب أن تصطبغ به كل العلوم، رغم أن هذا يتناقض جملة وتفصيلاً مع ما يأمر به القرآن الكريم من تفكر فى خلق السموات والأرض، وإطلاق العنان للعقل كى يفهم ويرتب ما ينتج عن هذا التفكير فى اتجاهات لا حصر لها، حتى إذا آمن الإنسان يكون إيمانه عن اقتناع وإجلال.
وهذه «الواحدية» الفكرية أو الثقافية لا تحفز على إعمال الخيال، إذ يكفى فقط أن يقوم من يتبنى هذا الاتجاه إما برفض أى فكرة تتناقض مع ما يعتقد فى رسوخه أو وثوقيته، أو يخضع كل الأفكار المختلفة معه لقياس على ما فى رأسه ظناً منه أنه القاعدة الصلبة أو الحقيقة الناصعة، أو يعيد صياغة كل ما يرد إليه كى يتهندس وفق هواه وتصوراته، حتى لو فقد هذا الوارد سماته وخصائصه الذاتية. وبالتالى يتحول هذا «الفكر الواحد» بمرور الزمن إلى «صندوق مغلق» تنحبس داخله الرؤوس ولا تستطيع أن تخترقه لتفكر فى كل ما يقع خارجه.
3- الانتصار الحتمى: يتوهم الإخوان أن انتصارهم حتمى لأن طريقهم ربانى ومعركتهم مقدسة، اتكاء على اعتقادهم بأنهم يمثلون ويصورون ويجسدون الإسلام فى معناه ومبناه. وبالتالى يشعر أعضاء الجماعة وأتباعها بالاستغناء عن أى فكر أو رؤية وتصور ومنهج خارج ما تتبناه، وإن طالعوا المختلف معهم، فإنهم يفعلون ذلك بعين الناقض وليس الناقد أو الراغب فى الاستفادة، المقبل على العلم بعقل متفتح، من «يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال».
فالإخوانى المطيع لا يجد حاجة ماسة أو ملحة لمطالعة من يختلف مع فكر الجماعة، ولا يتملكه ولعٌ بالمعرفة أو شغفٌ بها خارج الكتب والكتيبات والنشرات التى تبقيه مربوطاً فى السلسلة الحديدية للتنظيم. وكل من خالف هذا هجره الإخوان أو خرج عنهم غير آسف عليهم.
وليس معنى هذا أن العقل الإخوانى فاقد تماماً القدرة على التخيل، لكن تخيله يظل محدوداً ليس فقط بكراهية التنظير والولاء للتنظيم ورفض التعددية والإيمان بحتمية الانتصار، إنما أيضاً بالوساوس القهرية والشك العميق فى الآخرين والشعور الدائم بالاضطهاد والعيش فى كنف المؤامرة والخوف من التغيير، كما أن الخيال الإخوانى ذو نزعة تبريرية، إذ يعمل عقل الإخوانى جيداً فى تبرير سلوك الجماعة، ويمكنه أن يصنع الأكاذيب، وهى نوع من التخيل، بغية الدفاع عن الفكرة والموقف والاتجاه.
نقلاً عن جريدة " الوطن".