عمار علي حسن
كثير من مواد الدستور أحالت إلى «القانون» ومن ثم فإن اعتماده على هذا النحو أعطى الرئيس، الذى ظل يمتلك حق التشريع مدة معينة، فرصة إصدار ما شاء من قوانين، وجاء مجلس الشورى ليكمل المشوار، ويواصل رحلة ترتيب أحوالنا ومعاشنا على مقاس الأفكار التى تدور فى رأس قادة الجماعة، والتى هى فى أغلبها الأعم مستندة إلى ميراث سيد قطب الذى يعزز الاستبداد الدينى والدنيوى والتكفير، ويرمى المختلفين معه فى الرأى بالجاهلية، ويتيح لتابعيه أن ينعزلوا شعورياً عن غيرهم، ويتعالوا عليهم. وبان هذا فى قوانين «الصكوك» و«تنظيم التظاهر» و«الجمعيات الأهلية» و«استخدام الشعارات الدينية فى الانتخابات» وغيرها.
إن ما قيل عن الأخونة، بوضع كوادر الإخوان فى المناصب العليا بالدولة، رغم ضعف إمكانياتهم وعدم استحقاقهم وغياب جدارتهم، هو مجرد فرع من فروع مشروع التمكين هذا، الذى يرمى إلى نشر أفكار الجماعة وترسيخها عبر المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية، ربما عنوة كما فعل الفاطميون فى القرون الوسطى من خلال نشر المذهب الشيعى، وذلك من الناحية الشكلية بالطبع وليس من ناحية المضمون، أو ما حاول أن يفعله الرومان بمذهبهم ضد المسيحيين المصريين فى الزمن القديم، وقاوموه بضراوة فى عصر الاستشهاد، وذلك أيضاً على سبيل المضاهاة الإجرائية. ولا غرو فى ذلك، فمن يحلل كتابات الإخوان وتصريحاتهم وتعاليمهم وأناشيدهم وطقوسهم ورموزهم وشعاراتهم يتبين له أنهم يدركون أنفسهم على أنهم «طائفة»، تختلف عن بقية المسلمين. ولم يكن صبحى صالح يسخر أو يمزح حين قال «بناتنا الأرقى».
وفى الدستور عشرات المواد التى تمهد إلى هذا السبيل، وما يتعارض معه الآن، قد يتم تغييره إن تمكن الإخوان من أغلبية البرلمان القادم، ويبدو أنهم خططوا لهذا عبر قانون انتخاب فصلوه على مقاسهم، فأوقف القضاء الانتخابات لعيب فى الإجراءات وقع فيه الدكتور مرسى، فاضطروا إلى إعادته مرة أخرى إلى المحكمة الدستورية العليا. وما يجب أن نأخذه فى الاعتبار هنا أن الإخوان سيسعون بكل قوة إلى أن يكون تداول السلطة عملية شكلية، بمعنى أن تتم داخل الجماعة وليس خارجها، فيذهب رئيس إخوانى انقضت مدته ليأتى غيره، سواء بالتلاعب فى قواعد المنافسة أو تزييف إرادة الأمة أو أى إجراءات استثنائية.
إن كل هذا كان يفرض على المواطنين أن يفكروا طويلاً أمام مشروع هذا الدستور، بحيث إذا أراد أى منهم أن يساهم فى اختطاف الدولة فليصوّت بـ«نعم» وليكذب على نفسه ويصدق السخافات التى تربط بين الموافقة وبين دوران عجلة الإنتاج وتحقيق الاستقرار، فالدستور وضع أرضية عريضة للتنازع وليس للتصالح. الذين أرادوا أن يقوا الدولة شر الاختطاف فقالوا بملء إرادتهم: لا.
لكن النتيجة أن 68% ممن لهم حق التصويت قاطعوا الانتخابات وذهب أقل من الثلث، وافق أقل من ثلثيهم على الدستور، فى عملية لم تخل من التزييف والخداع، فأصبح دستور «تمكين الإخوان» هو مجرد مدماك جديد فى رحلة البناء على الرمل، التى ستنتهى بالبكاء على الأطلال.
وفى سبيل التمكين أيضاً تنتهك الجماعة الدستور الذى وضعته، فمرسى خرج على الدستور والقانون عدة مرات، وسكت عن انتهاكه مثلها، وحين قلده بعض الناس، عاد ليطالبهم بـ«احترام القانون» ويحذرهم من «خرقه».
(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)
نقلاً عن جريدة " الوطن "