توقيت القاهرة المحلي 07:27:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحركة الدبلوماسية.. وإرادة التغيير

  مصر اليوم -

الحركة الدبلوماسية وإرادة التغيير

مصطفي الفقي

صدرت منذ أيام قليلة حركة التنقلات الدبلوماسية السنوية، ولا بد أن أعترف أنها قد أدهشتنى بأكبر قدر من العدالة والتوازن وفتحت آفاقًا جديدة أمام فلسفة الاختيار، ولا شك أن الجزء الأكبر فى ذلك يرجع إلى وزير الخارجية الحالى الذى يشاركنى الكثيرون فى أنه يعمل بجدية وموضوعية ودأب من أجل الحفاظ على المصالح العليا للوطن، وفتح الآفاق الجديدة للعمل الوطنى الخارجى، وتبدو القيمة الحقيقية للحركة الدبلوماسية الجديدة فى أنها دفعت بعناصر شابة إلى مواقع مؤثرة فى العواصم المتاحة هذا العام، ولم يتم إجهاض الخبرة أو تجاهلها، فقد حصل بعض أصحاب الكفاءات المشهودة الذين يقتربون من سن التقاعد على مواقع تبدو تتويجًا لتاريخهم المتميز، ولا شك أن الأمر يحتاج برمته إلى نوع من استقراء التاريخ القريب للحركة الدبلوماسية التى يكون فيها القرار شراكة بين مؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية، فالأخيرة تقوم بترشيح الدبلوماسيين للمواقع المختلفة، وللأولى حق الإضافة أو الحذف أو التعديل لأن السفراء والقناصل العموميين هم ممثلون لشخص رئيس الجمهورية فمن الطبيعى أن تكون لمؤسسة الرئاسة الكلمة الأخيرة عند الاختيار، ولكن يبقى دور وزير الخارجية ليكون عاملًا أساسيًا فى ذلك، وهو الذى يقوم بترشيح السفراء وقناصل العموم، بل الحركة الدبلوماسية العادية أيضًا للأعضاء من غير رؤساء البعثات معتمدًا على ما يقدمه مطبخ شؤون الدبلوماسيين المسمى بـ«إدارة شؤون السلكين» أو «إدارة التفتيش»، ولذلك فإن بصمات وزراء الخارجية تبدو واضحة فى الاختيارات عبر تاريخ الجهاز الدبلوماسى المصرى منذ نشأته الحديثة عام 1923، وبالمناسبة فإن هذه الدبلوماسية المصرية الحديثة التى سوف تحتفل بمئويتها الأولى بعد سنوات قليلة هى واحد من أقوى الأجهزة الدبلوماسية فى العالم، وأنا لا أقول ذلك من منطق «شيفونى» مطلق، ولكن ـ وقد شرفت بالعمل فى هذا الجهاز أكثر من 35 عامًا قبل تعيينى فى البرلمان ـ أشهد، ويشاركنى الرأى معظم الدبلوماسيين الأجانب والعرب، أن الدبلوماسى المصرى مؤهل جيدًا فهو مهنى متمرس ووطنى بامتياز، والجهاز الدبلوماسى المصرى يملك تلقائيًا نوعًا من الرقابة الذاتية التى تنحى جانبًا من يخرج على السياق أو يغرد خارج السرب، وعلى الرغم من أن الجهاز الدبلوماسى المصرى قد تعرض تاريخيًا لحملات من خارجه بدأت بــ«حركة التطهير» بعد ثورة يوليو 1952 وهى حركة شاملة أطاحت بعدد من أساتذة الجامعات من ذوى الميول السياسية المختلفة، كما عصفت بعدد من الدبلوماسيين من أبناء العائلات المتهمة بالأصول الإقطاعية ومعاداة روح الثورة،

كما أنه قد جرى تطعيم الخارجية المصرية بقيادات من الجيش غالبًا والأجهزة الأمنية أحيانًا، وهنا لا بد أن أعترف بأن الجهاز الدبلوماسى قد أفاد كثيرًا من بعضهم ويتقدمهم اسم السفير اللامع «محمد حافظ إسماعيل» الذى أصبح مستشارًا للأمن القومى فى عهد الرئيس «السادات» والسيد «كمال حسن على» الذى أصبح رئيسًا للوزراء فى عصر الرئيس «مبارك» وغيرهما من رموز العمل الوطنى الذين لا غبار عليهم، ولكن يبقى أن نقول إن الجهاز الدبلوماسى المصرى ينفرد بأعلى درجة من الشفافية عند اختيار أعضائه الجدد، إذ تحكمه قواعد موضوعية عمياء لا تميز إلا بمعيار الكفاءة، فــ«الامتحان التحريرى» سرى ويجرى تصحيحه وفقًا لنظام الجامعات الحكومية وقد يدخله ألف متقدم فينجح 10 % منهم تقريبًا ليأتى «الامتحان الشفهى» ليكون مصفاة أمينة ودقيقة وهو الذى يكون الممتحنون فيه من كبار الدبلوماسيين فى التخصصات المختلفة تحت إشراف إدارة السلك الدبلوماسى وجهاز التفتيش، ويترأسه أقدم الدبلوماسيين العاملين الذين لا يزالون فى الخدمة، وتعتبر «لجان الشفوى» فى الخارجية من أكثر اللجان مصداقية فهى لا تفرق بين شخص وآخر، فما أكثر أبناء السفراء وبناتهم الذين نجحوا فى التحريرى ولم يمروا من امتحان الشفوى، وكذلك أبناء بعض الوزراء وكبار المسؤولين لأن اختبارات الخارجية هى أكثر اختبارات الدولة المصرية شفافية ووضوحًا وعلانية، لا تفرقة فيها بين فتى وفتاة، ولا بين مسلم ومسيحى، ولا غنى وفقير، ولا فتاة سافرة وأخرى محجبة فالكل سواء والفيصل الوحيد هو إتقان اللغات الأجنبية وفهم العلاقات الدولية والإلمام بالمنظمات العالمية وإدراك أصول الاقتصاد والقانون الدوليين ومتابعة الشؤون العربية وما يجرى فى الشرق الأوسط، فضلًا عن الثقافة العامة والتاريخ المصرى، بالإضافة إلى المظهر المناسب والتصرف اللائق بل إن الشاب الذى انتحر منذ سنوات وقيل إن ذلك كان بسبب استبعاده من الالتحاق بالسلك الدبلوماسى المصرى لأسباب تتصل بظروفه العائلية قد أثبتت الحقائق أنه لم يكن متقدمًا للخارجية المصرية ولكن لمسابقة فى وزارة أخرى، كما أن السلك الدبلوماسى يضم مصريين من كل أطراف الدولة بدءًا من شمال «سيناء» وصولًا إلى أرض «النوبة» مرورًا بمحافظات الصعيد والدلتا، ويأخذ من كل المؤهلات الجامعية والكليات العسكرية دون تفرقة فالعبرة فى النهاية بالتكوين الشخصى والتأهيل العلمى والخلفية الدبلوماسية والاستعداد لهذه الوظيفة الخاصة التى تعتز بها كل دولة وتفاخر بجهازها المتميز، ويجب أن نعترف أن أداء السلك الدبلوماسى المصرى كان دائمًا بارزًا ومشرفًا، فالدبلوماسى المصرى حمل على عاتقه عبر السنين لواء الدفاع عن قضية الشعب الفلسطينى، وعايش فى العقود الأخيرة اشتباك الصراع العربى الإسرائيلى حربًا وسلمًا، وكان جهازًا مكملًا للقوات المسلحة الباسلة فى حروب الدفاع عن الوطن المصرى، وتميز من أبنائه الكثيرون حتى وصل أحد القادمين إليه من مقعده الجامعى وهو الدكتور «بطرس غالى» إلى منصب أمين عام الأمم المتحدة بعد خدمة قاربت عشرين عامًا عند قمة الجهاز الدبلوماسى المصرى، كما توافد وزراء خارجية «مصر» على منصب أمين عام جامعة الدول العربية عبر تاريخها الطويل وشغل السيد«إسماعيل فهمى» الذى يعد واحدًا من أبرز وزراء الخارجية المصرية منصب رئيس اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهى اللجنة المعنية بالشؤون السياسية، وقدمت الخارجية المصرية أيضًا مديرًا عامًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية هو د.«محمد البرادعى» ـــ بما له وما عليه ـــ كذلك دفع الجهاز الدبلوماسى بمرشح لمنصب رئيس الجمهورية تولى بعد ذلك رئاسة لجنة الدستور الذى جرى إصداره وإقراره عام 2014 وأعنى به وزير الخارجية الأسبق السيد «عمرو موسى»، كذلك كان إسهام الخارجية المصرية مؤثرًا فى من قدمت لمؤسسات الدولة المختلفة خصوصًا السيادية منها، ولا ننسى فى هذا المقام اسم واحد من الآباء العظام هو الراحل «أسامة الباز» ومعه بعض أبناء الخارجية المصرية ومنهم كاتب هذه السطور ووزير الخارجية الحالى وأمين عام مساعد الأمم المتحدة للشؤون الإفريقية وقد عملوا فى مؤسسة الرئاسة وتركوا بصمات تذكر لهم.

هذه خواطر دبلوماسية أثارتها حركة التنقلات الأخيرة فى ذلك الجهاز المصرى الوطنى، الذى يعبر دائمًا عن إرادة التغيير من أجل المصالح العليا للبلاد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحركة الدبلوماسية وإرادة التغيير الحركة الدبلوماسية وإرادة التغيير



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon