توقيت القاهرة المحلي 22:46:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخامسة والثلاثون.. مرتين!

  مصر اليوم -

الخامسة والثلاثون مرتين

مصطفي الفقي

أقتبس عنوان هذا المقال من الكاتب الراحل «أنيس منصور»، الذى وجهه إلى المفكر الموسوعى «عباس محمود العقاد» فى عيد ميلاده «السبعين» وكان ذلك عام 1959، وكنت لا أزال غلامًا صغيرًا، وقد أعجبنى ذكاء «أنيس منصور» الذى أراد أن يضفى حيويةً على عمر «العقاد» وكأنما يريده أن يعيش عدة مرات وليس مرتين فقط، تذكرت كل هذه المعانى وأنا أكمل اليوم «سبعين» عامًا لم أشعر بمرورها، وكأنما يهرب العمر من بين أيدينا وتفلت الأعوام منَّا ولا ندرك الحاضر إلا عندما يتحول إلى ماضٍ ننظر إليه وراءنا بالرضا أحيانًا وربما بالندم أحيانًا أخرى، الرضا بما تحقق، والندم على الفرص الضائعة، وتلك سنة الحياة وطبيعة البشر فالكمال للخالق وحده، والذى يهمنى فى هذه المناسبة هو أن أشير إلى «صراع الأجيال» الذى أشعر به محتدمًا لدى الشعب المصرى، حيث يشعر «الشباب» بدرجة عالية من التهميش الذى يؤدى إلى تحويل أصحاب المستقبل الحقيقيين إلى مجرد «متفرجين» تاركين صناعة ذلك المستقبل وتحديد ملامحه لأجيال عبرت وآن لها أن تنصرف وقد لا يتيسر لها بحكم قوانين الطبيعة ومعدلات الأعمار البشرية أن يشهدوا ذلك المستقبل مهما كان واعدًا، وقديمًا قال الإمام على ـ كرم الله وجهه: «لا تربوا أولادكم بآدابكم فقد خلقوا لغير زمانكم»، فما أكثر الشباب الذى أراه محبطًا تائهًا ناقمًا على كل ما حوله، والسبب ببساطة هو أن شراكته فى صياغة المستقبل ليست على القدر الذى يتمناه.

إن هناك إحساسًا بأن الأجيال القديمة تحتكر الحياة العامة وتتمسك بالعمل السياسى خصمًا من حقوق أجيالٍ جديدة تتطلع لذلك، وأنا أشعر وجيلى معى بهذه المعاناة، لذلك كتبت منذ عدة سنوات ـ عندما كنت لا أزال أتمسح فى الشباب ـ عن «الجيل المسروق» وقمت بتشبيهه بـ«الدور المسحور» فى العمارات الكبيرة الذى يحوى «مواسير المياه» و«لوازم المصعد» و«حجرة الكهرباء» وغيرها حتى يعانى الموجودون فيه من الإهمال والتهميش والتجاوز، ولقد انتقل هذا الشعور إلى أجيالنا الجديدة وأصبحنا نستطيع القول بأن هناك ما يمكن تسميته «صراع الأجيال»! والدليل على ذلك أن معظم الاحتجاجات والاعتصامات والتظاهرات تعتمد على العناصر الشبابية شأنها شأن نظيراتها فى دول العالم المختلفة، وهل نسينا تمرد الشباب ضد قائد «فرنسا» المنقذ الرئيس الراحل «شارل ديجول» فى نهاية الستينيات من القرن الماضى أو احتجاجات الطلاب على الأحكام الصادرة ضد بعض ضباط الطيران المتهمين فى نكسة 1967 أثناء عصر الرئيس «عبدالناصر»، أو المظاهرات بسبب تأخر قرار حرب التحرير قبل عام 1973 فى عهد «السادات»، فالشباب هو العنصر الحاكم فى تحريك الشارع وهو الذى تمكنت بعض القوى أحيانًا من توظيفه سياسيًّا لخدمة أغراضها ولو على حساب مصلحة الوطن! لذلك فإننى أدق ناقوس الخطر مطالبًا بضرورة احتواء الشباب وتسليمه ـ قدر الإمكان ـ مراكز صنع القرار مع محاولة إقحامه فى الحياة العامة، ومازلت أكرر أن تجربة «منظمة الشباب» فى ستينيات القرن العشرين ـ بما لها وما عليها ـ تستحق الدراسة خصوصًا أن الأحزاب السياسية الحالية تبدو عاجزة عن تربية الكوادر القادرة على العمل الوطنى والنهوض بمتطلبات الديمقراطية والتنمية معًا، وهنا يجب أن أطرح ثلاث ملاحظات:

أولاً: إن الشباب مرحلة عمرية شديدة الحساسية بالغة التعقيد تختلط فيها الطموحات بالتمنيات والأحلام بالأوهام مع القلق والتوتر اللذين يصاحبان تلك المرحلة من حياة البشر، لذلك يتمرد الشباب غالبًا على منطق الوصاية الدائمة ويرفض الفكر «الأبوى» إذا ظل جاثمًا على صدره.

ثانيًا: إن التعليم هو بوابة الأمم وطريق الشعوب نحو المستقبل، وليس من جدال فى أن تراجع منظومة التعليم المصرية فى العقود الأخيرة بمنطق نظرية الأعداد الكبيرة هو المسؤول الأول عن تردى أحوال الشباب وتراجع شعوره بالانتماء للوطن.

ثالثًا: يلعب الدين من خلال المؤسسة الدينية الرسمية وخارجها من مصادر الشحن النفسى والعقلى دورًا فاعلاً فى تشكيل صورة الحاضر لدى عشرات الملايين من الشباب، لذلك فإن تلك الطاقة الروحية يجب توظيفها بشكلٍ سوى على نحوٍ يخدم مصالح الوطن ولا يتعارض مع صحيح الدين، فالشباب فى حاجة إلى من يعيد إليه الثقة المفقودة فيمن حوله قبل فوات الأوان!

.. هذه بعض الملاحظات التى تحدد مسؤوليتنا تجاه شبابنا يقولها من يصافح «السبعين» من عمره، ولا يبتغى إلا مصلحة وطنه وسعادة شعبه ورقى أمته.

 

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخامسة والثلاثون مرتين الخامسة والثلاثون مرتين



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 19:52 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon