توقيت القاهرة المحلي 06:59:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السلطة.. بداية ونهاية

  مصر اليوم -

السلطة بداية ونهاية

مصطفي الفقي


يعلق بعض المسؤولين فى مكاتبهم خلف رؤوسهم لافتة تقول «لو دامت لغيرك ما آلت إليك» فى تواضع مصطنع يوحى بزهد صاحب المنصب فيما هو فيه رغم أنه أحرص الناس عليه! فالسلطة داء عضال إذا استبدت بشخص أحالت حياته إلى قفزات بهلوانية وتصرفات استعراضية مع رغبة جموح فى الأضواء الدائمة وليس ذلك غريباً ولا جديداً فقد عشقها الأقدمون وتعلق بها الآباء والأجداد، وعندما حاول «معاوية بن أبى سفيان» أن يقنع الداهية «عمرو بن العاص» بأن غايته من الخلافة والحكم هى خدمة الإسلام والمسلمين ردّ عليه «عمرو»: (أنت وأنا نعلم أنها لدنيا نريدها!) ولقد أثبتت دراسات التحليل النفسى ورأى خبراء العلوم السلوكية أن السلطة «شهوة» قد تفوق لدى طالبها الغريزتين الأساسيتين، وقد حكى أحد وزراء خارجية «فرنسا» للدكتور «بطرس بطرس غالى» أن تركه المنصب يعنى نهايته، فالوزير قد تعود على الحارس والسائق والسكرتيرة والتحيات والاحترامات وعبارات النفاق وقبلات العناق ويكفى أن ترى مسؤولاً كبيراً أو وزيراً يدخل أحد الأفراح أو حتى المآتم لترى السباق إليه والتهافت على لفت نظره والاندفاع لمصافحته، ولأننا ورثة «الفراعين» فإن للسلطة حجماً متزايداً يؤدى إلى تضخم الأنا وإحساس من يحوزها بأنه «حالة خاصة» ميزه الله بما حرم منه الآخرين فكراً وعلماً وذكاءً بل ومهارة وخبرة بينما لا يعدو الأمر أن يكون السبب هو فقط اختيار ولى الأمر الذى يخضع غالباً للمعرفة المباشرة أو الهوى الشخصى، وقليلاً ما يكون الاختيار لأسباب موضوعية أوتأتى المفاضلة بين المرشحين للمنصب الواحد فى حياد وتجرد، لذلك يشعر معظم المسؤولين فى بلادنا بنقص الإحساس بالأمان وينتابهم قلق مع كل تغيير وقديماً قالوا «لقد أذل الحرص أعناق الرجال» فعندما ينسحب المنصب وتشحب الأضواء يكاد النسيان أن يطوى المسئول السابق ما لم تكن لديه مقومات ذاتية يعتمد عليها وينطلق منها، والغريب فى بلادنا أن كل مسؤول يحاول تسفيه من سبقه وانتقاد سلفه كما ينظر حوله ليميز أولئك الذين يمكن أن يكونوا ورثة له فى منصبه فيطيح بهم ويشتت مواقعهم لذلك انعدم الصف الثانى فى كثير من الوزارات والمرافق وأصبحنا نتحدث عن ظهور «الوزير التاريخى» أو «المسؤول الدائم» نتيجة حالة الفراغ التى تحيط بالمواقع بسبب تلك «الدودة الشريطية الفرعونية» التى تعبث بأجساد معظم المسؤولين، ولنا هنا ملاحظتان هما:

1- إن الحكام يبدأون عهودهم فى نقاء واضح وطهارة وشفافية وتواضع، فلقد شاهدنا الرئيس الراحل «السادات» فى أول أسبوع من حكمه يدفع برئيس وزرائه الدبلوماسى المخضرم «محمود فوزى» ليسبقه فى دخول قاعة الاجتماعات، كما أننا نتذكر الحكمة المأثورة التى رددها الرئيس «مبارك» فى بداية حكمه «ليس للكفن جيوب»، وأنا أظن أن كلا الرئيسين كان صادقاً فى لحظة البداية، فالرئيس «السادات» كان حاكماً متواضعاً يكره الظلم وهو صاحب العبارة التاريخية التى وجهها للسيد «عمر التلمسانى» المرشد الثالث لجماعة «الإخوان المسلمين» عندما قال له (اسحب شكواك يا عمر) بعدما هدده المرشد الراحل بأن يشكوه إلى الله، أما «مبارك» فقد غلبت عليه روح التوازن ورغم أنه شخصية عنيدة بالطبيعة إلا أنه لم يكن انتقامياً فى معظم الأحوال، ويبقى «عبدالناصر» زعامة شامخة وقدوة باقية لحاكم عاش فقيراً ومات لا يملك شيئاً، وها نحن نستقبل رئيساً جديداً عائداً من رحلة دولية ناجحة رفع فيها رؤوسنا وهتف لوطنه فى الجمعية العامة «للأمم المتحدة»، بدايته تبشر بالخير وتاريخه يوحى بالثقة ولكننا نردد دائماً ما غناه «عبدالحليم حافظ» (ياخوفى من آخر المشوار)، وأنا أظن أن تدين «السيسى» سوف يعصمه من السقوط فى المظالم ويدفعه لمحاربة الفساد ويبعده عن شهوة الاستبداد.

2- إن المسافة بين السلطة واللاسلطة فى المجتمعات المتحضرة تبدو قصيرة والمساحة بينهما محدودة ولا أنسى عندما كنت سفيراً فى «فيينا» أجلس فى المقعد الخلفى للسيارة عندما لفت سائقى الباكستانى نظرى إلى السيارة المجاورة التى يجلس فيها المستشار النمساوى «رئيس الوزراء» إلى جانب سائقه، ومازلت أتذكر أن إشارة المرور هى التى جعلتنى أتأمل ذلك الموقف الرائع لعدة دقائق والرجل لا يتملل برغم سلطته ولا يشعر «بهيلمان» أو سطوة وذلك ليس خلقاً غربياً فقط ولكنه مستمد من المبادئ النبيلة للديانات السامية، فالمسلمون الأوائل كانوا مثل نبيهم «يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق»، أما النصارى «فهم لا يستكبرون» وفقاً للذكر الحكيم فى القرآن الكريم، ليتنا نتعلم الدرس ونعى أن الديمومة لله وحده وأن الخلود لذاته دون غيره.

فلا تصعِّر ـ أيها المسؤول ـ خدك للناس ولا تمش فى الأرض مرحاً واعلم أنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً.. ياليت قومى يعلمون.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلطة بداية ونهاية السلطة بداية ونهاية



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon