توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سوريا ليست بالبساطة التي توقعتها إيران

  مصر اليوم -

سوريا ليست بالبساطة التي توقعتها إيران

بقلم : أمير طاهري

قبل أسابيع قليلة، عندما أوفدت الحكومة في طهران فريقاً من الصحافيين إلى سوريا، كانت الفكرة من وراء هذه الرحلة تقديم تقرير إخباري قوي عن «النصر التاريخي» الذي حققته إيران، وروسيا، ووكيلهما بشار الأسد في حلب. وعلى مدى أكثر من ست سنوات، أي منذ أن ألقت إيران بثقلها وراء بشار الأسد ونظام حكمه المحاصر في دمشق، كانت هذه البعثات الصحافية تتم بصورة روتينية بحتة.

كانت البعثة الصحافية الإيرانية تسعى إلى تحقيق هدفين رئيسيين: أولاً طمأنة الشعب الإيراني حول المغامرة السورية من خلال خلق انطباع بأن الجانب الموالي لإيران هو المنتصر. والهدف الثاني هو إخبار الجانب الخاضع لسيطرة نظام بشار الأسد من الشعب السوري بأن النظام الحاكم ليس معزولاً كما يبدو.

وكان من المقرر للبعثة الصحافية أن تقوم بزيارة عدد من المواقع وتصور ذهابها وإيابها وتنقلاتها لعرضها على شاشات التلفزيون الحكومي في طهران ودمشق. وسوف تكون هناك تقارير إخبارية عن البطولات الرائعة للمتطوعين الإيرانيين ورفاقهم من قوات حزب الله اللبنانية، وفي الآونة الأخيرة أيضاً، المرتزقة من أفغانستان وباكستان.

ومن شأن الفيلم التلفزيوني أن يظهر، من خلال النساء العجائز والأطفال الصغار، مدى الثناء والامتنان الذي يحملونه في قلوبهم للمرشد الإيراني الأعلى لجهوده الحثيثة لحمايتهم من الإرهابيين. وفي المقابل، فإن الصحافيين الإيرانيين الموفدين سوف يبلغون التلفزيون السوري في دمشق عن إعجابهم الكبير بشخصية وشجاعة وصمود الرئيس السوري بشار الأسد في المقاومة. وكان من المقرر لهذه البعثة أن تبث مشاعر الطمأنينة والسرور في قلوب الجميع داخل طهران ودمشق، بل والرضا عن أنفسهم كذلك.

وسوف تكون هناك أيضاً أفلام وثائقية عن الأضرحة و«المقامات الشيعية المقدسة» التي لم يسمع الشعب الإيراني عنها من قبل، ولكن لم يتم تقديمها على أنها «جواهر الإسلام التي أنقذتها طهران وحلفاؤها من الدمار على أيدي التكفيريين». ويكمل قبر الجنرال الراحل حسين حمداني، الذي سقط قتيل المعارك في سوريا أخيراً، عدد هذه الأضرحة والمقامات إلى عشرة آلاف ضريح، وهو رقم مذهل خارج أي معايير ممكنة. ولم يتم تقديم الحرب السورية كحرب أهلية بين الحاكم المكروه والسواد الأعظم من الشعب السوري الأعزل، ولكن بوصفها «الجهاد الأعظم» للمحافظة على وإنقاذ هذه الأضرحة والمقامات.

وعلى الرغم من ذلك، ومع تزايد التدخل العسكري الروسي في الحرب الأهلية السورية منذ عام 2015 فصاعداً، كانت سلعة «حماية وإنقاذ المقامات والأضرحة» عصية على البيع والتسويق من أي وقت مضى.

فلماذا يضطر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استثمار الدماء والأموال من أجل إنقاذ الأضرحة - هذه الأضرحة؟

وبالتالي، كانت الغاية من «البعثة الصحافية» التي نُظمت في أعقاب خضوع مدينة حلب للقصف الروسي المدمر العنيف، هو غرس «تيمتين» جديدتين في السرد الخاص بالحرب الأهلية السورية، والتيمة الأولى تتعلق بأنه وفقاً للانتصار التاريخي المحقَّق على الأرض، فإن روسيا وإيران كانتا تعملان معاً على إعادة تشكيل سوريا، بل ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها. وكان من المقرر أن تظهر إيران في صورة «المضيف الرئيسي»، في حين تبدو روسيا في صورة «الضيف المعاون»، في مؤسسة صناعة التاريخ الجديد.

أما التيمة الثانية المزمع غرسها في الخطاب العام بشأن الأزمة السورية تتعلق بالتوسع الهائل في الحضور الثقافي الإيراني، إلى جانب وجودها العسكري على الأرض.

يقول آية الله محسن آراكي، وهو الرجل المسؤول عن ملف «التقارب» الإسلامي: «إن السوريين متعطشون للمذهب الشيعي».

وكانت الفكرة تدور حول أنه مع الحرب المفترض أن إيران قد انتصرت فيها بمساعدة حلفائها، حان الوقت لإغراق سوريا ليس فقط بالخوذات العسكرية الإيرانية، ولكن بالعمائم الدينية كذلك لإرشاد (السوريين الضالين نحو «الإسلام الحقيقي»).

وعلى الرغم من ذلك، كشفت أولى البعثات الصحافية الإيرانية لما بعد قصف وتدمير حلب عن صورة مغايرة تماماً. ففي هذه المرة لم يتمكن أحد من تصوير الأفلام الوثائقية المتفائلة، إلى جانب عدد قليل من التقارير الإخبارية والمواقع الإلكترونية مع القليل للغاية من الصور الملتَقَطة. وكشفت بعض تسريبات المشاركين في البعثة الصحافية، بما في ذلك حديث مطول مع عضو بارز من أعضاء البعثة، عن المشهد السياسي العام الذي تغير بشكل جذري ضد إيران وكل الطموحات التي غازلت مخيلتها حول سوريا.

بادئ ذي بدء، لاحظت البعثة الإيرانية زيادة كبيرة في الوجود الروسي. كان هناك مستشارون روس في المطار، تجري مشاورتهم بشأن من يُسمح أو لا يُسمح له بدخول الجيب الخاضع لسيطرة قوات بشار الأسد. ويزعم أحد أعضاء البعثة الصحافية كذلك أنه بسبب اعتراض المستشارين الروس لم تتمكن البعثة الإعلامية الإيرانية من السفر إلى مدينة حلب.

من الواضح أن روسيا تحاول أن تؤمن لنفسها مجالاً آمناً بين الجبال إلى الغرب من العاصمة دمشق والبحر الأبيض المتوسط. ولقد لوحظ انخفاض كبير في النشاط الجوي الروسي، في حين يتزايد الوجود البري الروسي على الأرض.

والملاذ الآمن الذي تحاول روسيا إنشاءه مغلق في وجه الإيرانيين، كما أنه مغلق أيضاً، في بعض الحالات، في وجه أعضاء حكومة بشار الأسد أنفسهم.

قبل اندلاع الحرب الأهلية تمكنت إيران من إقامة 14 مركزاً ثقافياً في مختلف أنحاء سوريا بهدف تعزيز انتشار نسختها الشيعية من الإسلام، ونشر الفكر الخميني هناك. وعملت هذه المراكز الثقافية على تنظيم المحاضرات والدروس المختلفة، بما في ذلك دروس اللغة الفارسية، وقدمت المنح الدراسية التدريبية في إيران، وعرضت الأفلام المصرح بها من طهران، وعقدت الندوات حول فلسفة الإمامين الخميني وخامنئي.

واليوم، تعرضت أغلب هذه المراكز إما للإغلاق بسبب أنها موزَّعَة على المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة لبشار الأسد، أو أُغلِقَت بصورة جزئية بسبب عدم القدرة على تأمينها وتأمين روَّادها.

ووفقاً لبعض أعضاء البعثة الصحافية الإيرانية، فإن الوجود الإيراني في سوريا، بما في ذلك الوجود العسكري الكبير، أصبح يتخذ وضعية الحماية الذاتية. والهدف الرئيسي هو تقليل عدد الضحايا بدلاً من محاولة الاستيلاء على المنطقة من كثير من جماعات المعارضة. حتى مع اقتلاعها من جذورها فسوف تعود إلى الحياة من جديد كمثل ما تصنع الفطريات تماماً.

ومن المثير للاهتمام، ربما، أن أعضاء البعثة الصحافية الذين ردوا على الاستفسارات قالوا إن هناك تشرذماً واضحاً في معسكر بشار الأسد، وأن كثيراً من الجماعات المسلحة باتت تسيطر على أجزاء مختلفة من الأراضي، وحتى في داخل جزء من العاصمة دمشق نفسها الذي لا يزال خاضعاً لسيطرة قوات النظام اسمياً. ويمكن اعتبار بعض من هذه الجماعات مكونة من الرجال اليائسين المتهورين المستعدين للقتال حتى آخر رجل وآخر نفس. وأظهرت جماعات أخرى درجة من المرونة بشأن احتمال إبرام بعض الصفقات مع جماعات المعارضة السورية، الأمر الذي كان مفاجأة للبعثة الصحافية الإيرانية.

يزعم أحد أعضاء البعثة الصحافية الإيرانية أنه أصابه الذهول من عمق الإحساس بالوطنية السورية، الذي لاحظوه لدى بعض المقاتلين الذين انضموا للقتال تحت لواء بشار الأسد، استجابة للمشاعر الطائفية.

وعلى العكس من البعثات الإعلامية السابقة، كانت البعثة الصحافية الأخيرة غير قادرة على تقديم أي شيء أكثر من الأصداء الواهية لوسائل الإعلام الإيرانية التي تسيطر عليها الحكومة بإحكام. ولكن لهجة المواد المعروضة تكشف بكل وضوح عن الصورة المختلفة تماماً لسوريا كدولة انقسمت بين معسكرين تغذيهما المشاعر الطائفية المسمومة. ولقد جادل البعض منا طويلاً بأن صلة بشار الأسد بالواقع السوري صارت مبتورة، فهو كالجواد الميت الذي يزداد صهيله ولا مكان يذهب إليه. والأمر اللافت للنظر هناك أنه مع افتقار روسيا وإيران للسلطة الحقيقية التي افترض الكثيرون أنهما يتمتعان بها في الواقع السوري، فإنهما إما يطيلان أو يقصران من أمد المأساة السورية الراهنة.

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

           

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا ليست بالبساطة التي توقعتها إيران سوريا ليست بالبساطة التي توقعتها إيران



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon