توقيت القاهرة المحلي 04:16:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

استفتاء كردستان والحقيقة المجردة

  مصر اليوم -

استفتاء كردستان والحقيقة المجردة

بقلم : أمير طاهري

تحول استفتاء كردستان العراق إلى حالة من الأمر الواقع على الرغم من المحاولات الكثيرة والجهود المضنية لإيقافه أو حتى تأجيله حتى بات من الواجب أخذه في الاعتبار عند صياغة التطورات السياسية المستقبلية في المنطقة، كما أن مسعود بارزاني، قائد أوركسترا الاستفتاء الأخير بلا منازع، يبدو أنه يعيش في غمرة من السعادة الهائلة.

ومن الأهمية بمكان معرفة ما نتحدث عنه بالضبط عند التفكير والنظر في شؤون المستقبل. فلقد ربط مؤيدو الاستفتاء الكردي راية بلادهم بمفهومين أساسيين؛ الاستقلال وحق تقرير المصير.

إنهم يقولون إن أكراد العراق يسعون وراء الاستقلال. ولكنهم، أي أكراد العراق، على غرار المواطنين العراقيين الآخرين، يعيشون بالفعل في دولة معترف بها دولياً، دولة مستقلة ومن الأعضاء كاملي العضوية في منظمة الأمم المتحدة.

إن مفهوم السعي وراء نيل الاستقلال ينسحب بالأساس على الأراضي التي هي جزء من إمبراطورية أجنبية، أو تلك التي تحولت إلى حيازة إحدى القوى الاستعمارية. ومن الناحية القانونية، ومنذ عام 1932 على أدنى تقدير، لم يكن الأمر كذلك في العراق. وإذا لم يكن العراق مستقلاً بصفته دولة، فينبغي افتراض أن مسعود بارزاني - والمعروف أيضاً باسم كاك مسعود، بدلاً من أن يكون قائداً بارزاً من المساهمين في تطوير العملية الديمقراطية الجديدة وربما الهشة في العراق - ليس إلا «مرزبان» أو حاكماً لإمبراطورية مجهولة أو والياً تابعاً لقوة استعمارية أجنبية غامضة. بيد أن كاك مسعود ليس كذلك على وجه التحديد، لأن بلاده، وهي العراق، دولة مستقلة وذات سيادة.

ثم نتحول إلى مفهوم تقرير المصير والمعترف به بصفته حقاً من الحقوق بموجب القانون الدولي. ولقد صيغ هذا المفهوم أول الأمر في أعقاب الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطوريتين الكبيرتين آنذاك، العثمانية والنمساوية. وتكمن الفكرة في أن سكان الأجزاء المختلفة والمكونة لكيان هذه الإمبراطوريات ينبغي عليهم تحديد مستقبلهم بأنفسهم، ولا سيما من خلال اتخاذ القرار بشأن تشكيل الدول القومية الخاصة بهم من عدمه. 

ويتأسس مفهوم حق تقرير المصير باعتباره حق جميع الشعوب في اختيار الحكومات، وسن التشريعات الخاصة بدلاً من الخضوع والإذعان للحكام الأجانب ومشرعي القوانين من بلدان أخرى بعيدة.

وفي ضوء ذلك الطرح، فإن الأكراد العراقيين يتمتعون فعلاً بحق تقرير المصير، نظراً لأنهم اختاروا بأنفسهم حكومتهم المحلية الوطنية والمشرعين في البرلمان الوطني.

وأول ما ينمو إلى فهمنا أن الاستفتاء الأخير يتعلق بمطلب الاستقلال وتقرير المصير، وهو فهم خاطئ، على أدنى تقدير. 

ولذا، ما الهدف الذي أجري لأجله الاستفتاء في حقيقة الأمر؟ إنه يتعلق بالانفصال عن العراق الذي لا علاقة له بحق تقرير المصير أو السعي للاستقلال. فإن منظمي الاستفتاء الكردي يرمون إلى «فصل» المناطق التي يشكل السكان الأكراد فيها الأغلبية بغية إقامة دولة كردية منفصلة وجديدة. ومع ذلك، ورغم أن تقرير المصير من الحقوق المعترف بها دولياً، فإن الانفصال ليس كذلك.
غير أن السعي للانفصال، وإن كان غير قانوني بموجب القوانين الوطنية أو الدولية، فهو لا يعد جريمة. 

والأمر المهم أنه في حالات الانفصال، تعلن الأطراف المؤيدة للانفصال عن رغبتها في ذلك بكل صراحة، ونادراً ما تحاول إخفاء نيتها وراء ستار حق تقرير المصير والسعي للاستقلال. ولذلك، فإن أول ما ينبغي على مسعود بارزاني فعله هو التوقف عن اللعب بورقة «التقية»، وأن يسمي الأمر باسمه، والإعلان الصريح بأن ما يسعى له هو الانفصال عن العراق. وينبغي عليه أن يقول إن هدفه الحقيقي هو تفكيك العراق، الجمهورية متعددة الأعراق، حتى يتسنى له إقامة الدولة الكردية أحادية العرق. ومن المثير للاهتمام، أن لفظة «العراق» التي تعني «الأرض المنخفضة»، هي مصطلح جغرافي من دون أي دلالات إثنية تُذكر.

وهناك العديد من بلدان العالم سُميت على اسم المكون الإثني الغالب على سكانها. وفي منطقة الشرق الأوسط، هناك تركيا وهي أرض الترك، وأرمينيا وهي أرض الأرمن، على سبيل المثال. 

وعلى الرغم من ذلك، فليست هناك دولة شرق أوسطية من التي ظهرت في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية، تحمل مسميات الهويات العرقية الغالبة فيها. بل إنها تحمل أسماء ذات دلالات تاريخية أو ربما جغرافية، وتتعامل مع وجود مختلف الطوائف والجماعات الإثنية و/أو الدينية كأمر مسلم به.

كانت منطقة الشرق الأوسط موئل الإمبراطوريات متعددة الإثنيات على مدى 25 قرناً من الزمان، إذ ظهرت فيها الحضارة الآشورية، والبابلية، والفارسية، والرومانية، والبيزنطية، والأموية، والعباسية، والعثمانية، وما إلى ذلك. ولذا، فإن الدولة الكردية، التي يسعى مسعود بارزاني لإقامتها، سوف تكون الحالة الأولى خلال 2000 سنة كاملة في منطقة الشرق الأوسط التي تطالب بهوية إثنية محضة.

ودعونا نضرب مثالاً بالفوارق بين الاستقلال، الذي هو حق لكل الشعوب الخاضعة للحكم الاستعماري أو الإمبريالي الأجنبي، وبين الانفصال. كانت كل من المغرب وتونس خاضعتين لنير الاستعمار الإمبراطورية الفرنسية تحت اسم الحماية الاستعمارية. وفي خمسينات القرن المنصرم، مارستا حقهما الطبيعي في تقرير المصير وحصلتا إثر ذلك على الاستقلال من دون الحد الأدنى من المتاعب. بيد أن الجزائر، على صعيد آخر، كانت تعتبر مقاطعتين من الجمهورية الفرنسية ذاتها، وانتخبت نوابها في البرلمان، وكانت تتمتع بحقوق الجنسية الفرنسية الكاملة.

وفقاً لذلك، فإن مطالبة الجزائر بالاستقلال كان يعتبر انفصالاً مباشراً عن الجمهورية الفرنسية الأم، ولا يمكن الموافقة عليه إلا بإبرام الاتفاقات مع الدولة الفرنسية، الأمر الذي يستلزم التصديق عليه لاحقاً عبر استفتاء وطني في جميع أرجاء فرنسا. ولكن قبل حدوث ذلك، كان على الشعب الجزائري أن يخوض حرباً مستعرة لمدة خمس سنوات، مع سقوط ما يقرب من نصف مليون قتيل، ثم المرور بفترة من التفاوض تجاوزت العامين الكاملين.

ولقد تعاملت بلدان أخرى مع مطالب الانفصال بأساليب مختلفة تماماً.

نظمت كندا والمملكة المتحدة الاستفتاءات الشعبية في كل من كيبيك واسكوتلندا، مما أتاح للسكان المحليين الفرصة لرفض الانفصال. وفي تشيكوسلوفاكيا، وما بين ماليزيا وسنغافورة، جاء الانفصال عبر قنوات التفاوض الذي أسفر عن «الطلاق» السياسي المتفق عليه. كما تم التصديق على انفصال جنوب السودان عن شماله من قبل حكومة الخرطوم بعد عشرين عاماً من الحرب وستة أعوام من المفاوضات.

ولا يعترف المجتمع الدولي بنتيجة أي انفصال إلا إذا تحقق بموافقة الدولة المعنية. 

وإجراء الاستفتاءات لا يعني إضفاء الصفة الشرعية التلقائية على المشاريع الانفصالية. ولقد أجرت روسيا الاستفتاء الشعبي في شبه جزيرة القرم، التي انتزعتها بالقوة من أوكرانيا، وكذلك في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا التي انتزعتهما من جمهورية جورجيا. ورغم ذلك، لم تعترف أي دولة أخرى بهذه الحالات الانفصالية.

والسبب وراء ذلك هو عدم وجود آلية في القانون المحلي أو القانون الدولي بشأن الاعتراف بحالات الانفصال غير التوافقية. ولقد أعربت محكمة العدل الدولية في لاهاي عن ذلك الأمر بمنتهى الوضوح حال رفضها التصديق على استقلال إقليم كوسوفو. وفي العراق، فإن دستور البلاد، الذي شارك مسعود بارزاني بنفسه في صياغته بكل حماس، يستبعد تماماً فكرة الانفصال من جانب واحد بموجب المواد 107، و116، و13.

وأخيراً، فإن فكرة الانفصال ليست واضحة في أي من برامج الأحزاب الاثني عشر النشطة بين الأكراد الذين يعيشون في العراق، وتركيا، وسوريا، وإيران، وأرمينيا، وأذربيجان. وبالتالي، فإن الخطوة المقبلة التي يتعين على مسعود بارزاني اتخاذها هي تكريس فكرة الانفصال أحادي الجانب في ميثاق وبيان حزبه بالنسبة للانتخابات العامة العراقية المقبلة في عام 2018، وإذا ما اتخذ هذه الخطوة، وحصل على التفويض المطلوب لمواصلة الانفصال، يمكنه حينها مطالبة الحكومة المركزية في بغداد بالدخول في مفاوضات ثنائية حول مسألة الانفصال.
وبعبارة أخرى، فإن أي محاولة لإعلان الاستقلال الكردي من جانب واحد قد تسفر عن مأزق سياسي كبير يؤدي إلى طريق مسدود.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استفتاء كردستان والحقيقة المجردة استفتاء كردستان والحقيقة المجردة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon